أنواع الزمن !

311

حسن العاني /

إلى بضعة قرون خلت، لم تتضمن طروحات النقد الادبي شيئاً اسمه (الزمن الإبداعي)، ولم يتحدث علماء النفس عن (الساعة البايولوجية). وعلى العموم كان الزمن والزمان من معطيات الفنون الشعرية الغنائية، لكن الفلاسفة هم المعنيون حصراً بهذا الموضوع، فقد كان الزمن على رأس أسئلتهم الكونية، حتى قيل إن الفيلسوف هو من يجيد طرح الأسئلة وليس من يجيد الإجابة، (الغريب أن الزوجات هن أكثر الكائنات الحية طرحاً للأسئلة، ومع ذلك يرفض الأزواج الخاضعون لأسئلتهن الاعتراف بأنهن فيلسوفات!!)
ما أود التنويه إليه سلفاً هو أن الزمن الذي أعنيه هنا هو: الوقت الذي يقاس بأجزاء الثانية ومضاعفاتها وصولاً إلى القرن، وهذا المعنى البسيط هو الأكثر تداولاً في حياتنا اليومية، والمعلومات التي باتت شائعة بين الناس تفيد بأن الأوربيين -بصورة عامة- يحترمون الزمن إلى حد التقديس، ويقف الإنجليز في مقدمة شعوب المعمورة التي تلتزم به عن إيمان وقناعة، حتى أصبحت مواعيدهم مضرب مثل!!
التاريخ الحديث يؤكد أن معظم بلدان العالم الثالث تسخر من الزمن وتنظر إليه باستصغار، ولهذا أصبح مألوفاً أن يأتي الموظف إلى مقر عمله بعد (ربع) ساعة على بدء الدوام الرسمي، وعذره
(الزحام المروري)، ويغادر قبل (نصف) ساعة على نهاية الدوام، وعذره (مشكلة عائلية)، وصار طبيعياً أن لا تقلع الطائرات في مواعيدها، وكذلك الحافلات، وأن لا يتزوج الشباب في سن الزواج، ولا تلد الأمهات في الأوقات المحددة لولاداتهن.. وذلك لكون الزمن خارج حسابات الزمن ولا أحد يسأل عنه أو يحاسب عليه!
معروف أن العراق في تصنيفات التطور والتحضر ينتمي إلى بلدان العالم الثالث، ولا يخرج عن طبيعتها وقوانينها، وكانت فرصته الذهبية قائمة بعد سقوط النظام الدكتاتوري، لكنه فوَّت الفرصة على نفسه بسبب انهماكه بديمقراطية المناصب والكراسي والمحاصصة، من غير أن يلتفت يوماً إلى عامل الزمن العظيم. ولهذا فإن من النادر –مثلاً- أن نعثر على مدرسة في أية مرحلة استطاعت إكمال المنهج الدراسي، وفوق هذا وذاك أقمنا حاجزاً بين الزمن وبين الموازنة السنوية، لا نبالي إذا ما تأخر إقرارها أسبوعاً أو شهراً أو لم تقر، وبعد كل دورة انتخابية نبقى شهوراً من دون حكومة أو (نص حكومة).. الزمن عندنا رجسٌ من عمل الشيطان، وبسبب ازدرائنا له، قام هو بازدرائنا وأعادنا ألف سنة إلى الوراء، بحيث أصبحنا خارج التغطية الزمنية!!