شيلَـــةٌ مغربية وبشتٌ خليجي يطيحانِ بـ “خواجات” المثليَّة!

867

آمنة عبد النبي /

على الرغمِ من بروباغندا العرق المزمنة، ها هو الخواجة الأشقر وعقدته الأزلية داخل الذات العربية المنسحقة، يصارع البقاء وحيداً ومنبوذاً في مباراة الكأس العالمية أمام قيمِ لباسِ (بشت) عربي أصيل كُرّم به ميسي وهو يرفع كأس العالم، وشيلَة أُم مغربية مهلهلة فرحاً داخل المربعِ الأخضر.
لذا لم يعد الحديث عن التعددية الثقافية مجرد هراء ثقافات شرقية تجلدُ ذاتها ليل نهار لتكريس الهزيمة النفسية في مجتمعاتنا، بعد أن اثبت العربي الأطلسي أنهُ ليس بمطيّة كولونيالية منسحقة تتعبد بعبودية الأجناس الأخرى في محاولةٍ للهرب من الهزائم المتعاقبة في ميادين السياسة والاقتصاد، التي ولدت في شخصياتنا نقصاً وضعفاً جعلنا نرفض ذواتنا ونخاصمها بعدوانية ودونية تفوّق الآخر، مع أن عرّابي الحضارة الغربية، وسماسرة التقدم العلمي، سقطوا ومنذ زمن بعيد وطويل حضارياً وأخلاقياً في وحل التسليع والمثلية والتيه الإنساني، الذي يمتص من الإنسان روحه وقيمه ويحليه إلى مجرد كائنٍ بايولوجي بائس، إلى درجة أن هذا المعنى اليائس دفعت حرارته أحد المذيعين الألمان-كما نُقل-وهو يشاهد المباراة إلى أن يعلق متحسراً على حميمية لقطات اللاعبين المغاربة، كاللاعب يوسف النصيري وهو يعانق والده، وإلى جانبه زميله جواد الياميق في نهاية مقابلة فوارس المغرب مع إسبانيا، التي انتهت بتأهل المغرب إلى دور الربع نهائي، وكذلك اللقطات الأخرى لدموعٍ خالطها الفخر وصفق معها العالم بأسره لأشرف حكيمي وسفيان بوفال وحكيم زياش مع أمهاتهم ذوات السحنات المغربية البدوية الأصيلة، أخلاق رفيعة، ودروس جميلة في التربية، يقدمها للعالم شبابنا المغربي الجميل في المونديال داخل المستطيل الأخضر، مشاهد خرافية أجبرت المعلق ان ينفجر صارخاً:
“آه.. ما أجملها هذه المشاهد الحميمية مع العائلة، لم نعد نراها في مجتمعاتنا الغربية التي تسودها الأنانية والمثلية الجنسية واندثار مفهوم الأسرة الدافئة وعقوق الوالدين ورميهما في الملاجئ، لا شك أن العائلة وتحفيزها المعنوي وراء انتصارات الفريق المغربي، أما نحن فجئنا لنساند المثليين ونضع أكفنا على أفواهنا بشكل مخجل، لذلك خرجنا خاليي الوفاض ومن الباب الضيق، علماً أنهم تعلموا الكرة منا وأصبحوا يتقنونها، وهاهم يتجاوزوننا بأشواطٍ أخلاقية عملاقة، لذا يجب أن نتعلم الأخلاق منهم، علَّ وعسى أن نرى أمهاتنا تعانقننا يوماً ما في المدرجات.”
صدقاً، بعد هذا كله يمكننا القول إن من لطف الأقدار ورحمانيتها ترسيخ المنتخب المغربي للصورة العائلية بشكلها الفطري في صور حميمية لفتت أنظار العالم وأيقظت شعوره المجمد، حين تظهر الأم المغربية الأصيلة باكية فرحاً تحت سماوات الدعاء، وفي المدرجات تلوح بتلاقِ وجداني تلقائي مع أبنائها الأبطال داخل المستطيل، وكأن المشهد رسالة امتنان واعتراف بدور الأمهات الصابرات المكافحات في كل انتصار للمنتخب والإرادة، فلا عجب إذن في تصريح اللاعب أشرف حكيمي الذي حوّل الفقر المدقع الذي عاشه منذ طفولته إلى حافزٍ وتباهٍ بما صنعته (العازة) في نهاية المجد حينما قال: “الفقر ليس عيباً، والدي كان بائعاً متجولاً ووالدتي كانت تخدم في البيوت..”

نقرأ تصريحات لإعلاميين ومسؤولين رياضيين من الغرب غاية في القبح لمجرد أن اللاعب ميسي كُرِّم بلباس عربي أصيل (بشت)، وبجزء من تقاليد محلية ظاهرها إكرام الضيف وباطنها سخاء المشاعر، وهم الذين صدعوا رؤوسنا لقرون بكذبة احترام المُختلف. على سبيل المثال، أحدهم : “ما لنا وهؤلاء، إنهم يعيشون خارج التاريخ، ويحاولون جرَّنا إلى خيامهم..” وأيضاً “أعيدوا مراسم تسليم الكأس من دون أعراف محلية أو رغبة من شيوخ الخيام في شراء مقعد يخلدهم على أكتاف بطولة رياضية لم تنتجها ثقافتهم..” علماً أن بيليه البرازيلي في بطولة ١٩٧٠ احتفت به الجماهير المكسيكية بقبعة (سومبريرو) التقليدية، كنوع من التكريم الذي لم يقلل من شان بيليه أو يسرق من وزن الكاس شيئاً، فلماذا تكون القضية هناك حلالاً وحرية وباتجاهنا حراماً وتخلفاً اجتماعياً!
الغريب أن حتى هؤلاء المعترضين باطناً وظاهراً، لم يكلف أحدهم نفسه -ولو جدلاً- باستبدال الأدوار الأموميّة العظيمة التي جسدتها أمهات اللاعبين وسط المربع وعلى مدرجاتِ ملعب الكأس، ولا أحد فكر بتفسير الحالة في مقاربة إنسانية مجردة ما بينها وبين إصرار لاعبٍ أوروبي يتقلد وشاح المثلية الشاذة وسط احتفاء عائلته وأطفاله.. تخيلوا!
لذا نجزم، وحقاً، أن نسخة قطر لكأس العالم هذه المرة جاءت قاصمة وأدت وظائف سامية، وكانت رسالة إلى أعداء المنظومة الدينية، بأن ما يروج من أفكار ومعلومات خاطئة ومغلوطة عن العرب والمسلمين مجافٍ للحقيقة، كما عبر النجم البرازيلي السابق “ريكاردو كاكا” الذي يعد أحد أفضل اللاعبين في جيله، وقد تُوج بالميدالية الذهبية لكأس العالم FIFA وهو في العشرين من عمره، صرح بهذا الشأن تصريحاً نارياً على قناة (بي أن سبورتس) قائلاً: “المسلمون آمنون ولا يعتدون على أحد، أوروبا والغرب يكذبون ويكيلون بمكيالين، وهذه أفضل نسخة كأس عالم حضرتها في حياتي.”