بعـد 64 عامـاً على تشغيلـه كيف سينتهي صراع الورثة علــى معمــل تعليــب كربلاء؟
علي لفتة سعيد /
تأسس معمل تعليب عام 1959 في عهد رئيس الوزراء الراحل عبد الكريم قاسم، وكان يحمل اسم المنشأة العامة للتعليب في كربلاء، برأسمال بلغ 450 ألف دينار، وكان الهدف منه هو دعم الصناعات الوطنية وتشغيل الأيدي العاملة. وقد بدأ أولاً بإنتاج (المربى) بأنواعها، والدبس، ومعجون الطماطم، و(الكجب) والصاص. لكن هذا الاسم تغير بعد ثلاثين عاماً، وبالضبط في عام 1989 ليكون تحت اسم (شركة تعليب كربلاء)، ونقلت ملكيته إلى وزارة الصناعة.
يقع المعمل في منطقة (المعملجي) على مساحة تزيد على 130 دونماً، لكن هذه المنطقة بعد التوسع العمراني الكبير أصبحت ضمن ما يطلق عليه وسط المدينة، أو حافة وسطها.
بداية المشكلة
في عام 2021 بدأت تظهر على السطح مشكلات تحويل ملكية هذا المشروع إلى العتبة الحسينية المقدسة، التي حصلت على قرار من محكمة بداءة كربلاء بعد أن قدمت دعوى قضائية لغرض استملاك الأرض المشيّد عليها المعمل، وجرى تسديد بدل الشراء إلى الجهات المالكة، وزارة الصناعة وبلدية كربلاء، لتكون الملكية للعتبة كمشروع صناعي.
وقد حصلت تظاهرات قام بها العاملون في المعمل وبعض الأهالي المناصرين لهم، على اعتبار أن المشروع يمثل مدينة كربلاء، وطالبوا بإيقاف إجراءات التحويل وإعادة الأملاك إلى أصحابها. فيما يقول العاملون إنهم اصحاب عوائل وإنهم أمضوا سنين طوال في خدمة المشروع. بينما ترى الجهات المناصرة للعتبة المقدسة إن هذا المعمل أصبح وسط المدينة، وأن مساحاته واسعة جداً، وأنه أصبح خطراً على البيئة، إذ يقول مدير إعلام العتبة المهندس (عباس الخفاجي) إن “الأمور قانونية وإن العتبة لا تعمل إلّا وفق القانون، وإنها سوف توفر أرضاً بديلة للمعمل خارج مركز المدينة، وفي المناطق المخصّصة رسمياً.” ولفت الى أن “قرار الترحيل جاء من قبل دائرتي التخطيط العمراني والبيئة لكون المعمل محاطاً من جميع جهاته بأحياء سكنية مكتظة بالسكان وأن تأثيره سلبي على البيئة.”
العاملون والمناصرون
العاملون ظلّوا في حيرةٍ من أمرهم ومعهم مناصرون من أهالي المدينة، وقال المتحدث باسم المعمل (محمد الحداد) إن “المعمل معروف عالمياً، وكل العراقيين يعرفونه، إذ كنا نصدر منتجاتنا إلى أوروبا وهو ما يدعو إلى الفخر..” ويشير إلى أن “الدولة في عام 1989 باعت المعمل إلى مجموعة مساهمين، قاموا بتحديثه وتطويره وتحويله إلى معامل عدة، كما جرى التعاقد مؤخراً مع مجموعة شركات إيطالية لغرض تحديث وتطوير الخطوط الإنتاجية، إذ سيضاف 28 خطاً إنتاجياً جديداً لتصنيع مختلف المنتجات الغذائية والمعلبات، للمساهمة في توفير المواد الغذائية وسد حاجة السوق العراقية، وهذا التحديث سيشغل خمسة آلاف موظف وعامل جديد.” ولفت إلى أن “إدارة العتبة تريد الأرض لغرض بناء جامعة أو عمارات سكنية، فهل من المعقول أن نهدم مشروعاً عراقياً عمره 70 سنة، ومنتجاته معروفه في جميع أنحاء العالم، لكي نبني جامعة مكانه؟ لذا نحن نناشد الحكومة والمرجعية بإيقاف الهدم وتغيير جنس الأرض لكي يبقى المشروع علامة عراقية بارزة في مسيرة الصناعة العراقية.”
الصحفي (حيدر هادي) قال إن “هذا المعمل يمثل بصمة كربلاء الإنتاجية والصناعية، لكن العتبة الحسينية تريد هدم هذا الصرح الصناعي الذي ينتج الكثير ويصل إنتاجه إلى الكثير من دول العالم..” وأضاف أن “المشكلة ليست فقط في تسريح العاملين، بل إن البلد يعيش أزمة بالإنتاج الصناعي في مختلف القطاعات، وبدلاً من دعم مثل هكذا مشاريع، يكون هناك هدم للمشاريع الإنتاجية الغذائية، فيما يستورد العراق سنوياً بضائع تصل كلفها إلى مليارات الدولارات من تركيا وإيران والسعودية وغيرها، وهذا المعمل ينتح منذ عقود، ومستمر في الإنتاج، لذا نتمنى أن يصل الصوت إلى الجميع لإيقاف هدم المشروع، الذي لم يكن قرار تحويله من الوزارة، بل من قاضٍ ومن دائرة بيئة.”
العتبة والإجراءات
يقول مدير إعلام العتبة عباس الخفاجي إن “إدارة العتبة، وتنفيذا لتوجيهات المتولي الشرعي للعتبة، سماحة الشيخ عبد المهدي الكربلائي، واستجابة للواجب الإنساني، قرّرت تعيين جميع العاملين في مصانع التعليب ضمن ملاكاتها مع منحهم مكافأة لنصف الشهر الجاري (شباط).”
ولفت إلى أن “المشروع يمكن أن يكون في مكانٍ آخر، وبذات الخطوط، وأن العتبة ستعمل على مساعدة إدارة المعمل ولن تتخلى عنهم، كما أن المشاريع الجديدة ستشغّل الآلاف من الطاقات الشبابية، وأن مشايع العتبة تعمل في اتجاهات عديدة، أولها المساهمة في تطوير الواقع الصناعي والخدمي والطبي والتربوي والزراعي للبلد بوجود آلاف المشاريع المختلفة.”
معلومات نائب
عضو اللجنة القانونية في مجلس النواب النائب (محمد جاسم الخفاجي) قال إن “ملكية الأراضي داخل المعمل هي كالآتي: 46 دونماً هي ملك لوزارة الصناعة، و38 دونماً هي ملك لوزارة المالية، و20 دونماً تمتلكها بلدية كربلاء.” ووضع الخفاجي عدة نقاط لتوضيح الأمور، التي قال إنها حقائق ومعلومات، وليست تحليلات:
– أراضي البلدية والمالية هي ملك صرف ذات استعمال سكني عمودي حسب التصميم الأساسي لمدينة كربلاء المقدسة المصادق عليه.
– جرى شمول موقع المعمل بالترحيل من قبل الحكومة المحلية تمهيداً لتغيير استعماله من صناعي إلى تجاري قبل أكثر من سنتين، بشرط إيجاد موقع بديل، مع تأكيد وزارة الصناعة بأنه مازال ذا استعمال صناعي.
-لكن هيئة استثمار كربلاء قامت بمنح إجازة استثمار للمصنع قبل إيجاد بديل للأرض؟؟!! إذ أن المعمل مشمول بالترحيل كما أشرنا، وبموجب المادة 10/ ثانياً من قانون الاستثمار رقم 13 لسنة 2006، وبموجب أحكام المادة 4/ ثالثاً من نظام الاستثمار رقم 6 لسنة 2017، الذي يبيح بيع الأراضي المخصصة للمشاريع الصناعية التي تقع داخل التصميم الأساسي للمدن بمبلغ 15% من قيمة الأرض الحقيقية، لذا قامت الهيئة بالإيعاز إلى الدوائر المعنية ببيع هذه الأراضي إلى المستثمر (فلان1)، المدير المفوض لشركة تعليب كربلاء للمواد الغذائية المحدودة.
-كما ورد إخبار إلى هيئة النزاهة ومحكمة النزاهة في كربلاء، وضعت بموجبه إشارة عدم تصرف على جميع العقارات المذكورة أعلاه، ومنعت بيعها لحين حسم التحقيق بالقضية.
-وبعد إجراءات عديدة قامت بها النزاهة، ولوجود قضية سابقة تخص المعمل، فقد جرى تثبيت وجود تزوير في مستندات تمليك أراضي المعمل، إذ جرى تغيير مالك الأرض من وزارة الصناعة إلى اسم شركة تعليب كربلاء، مالكها (فلان2) تزويراً وقد حكم على المتهم، ومن ثم جرى إخلاء سبيله بعفو عام في 2016، وإعادة الأرض إلى وزارة الصناعة.
-إن شبهات الفساد والصفقات شملت تثمين قيمة الأرض عن طريق لجنة برئاسة مدير هيئة استثمار كربلاء الحالي، إذ قدر سعر الدونم الواحد بمبلغ 200 مليون دينار لمساحة الـ 46 دونماً العائدة إلى وزارة الصناعة، فيكون المبلغ الكلي 9 مليارات دينار جرى تسديد 15% منها إلى الوزارة أي 1.4 مليار دينار تقريباً، الذي على أساسه جرى استقدام رئيس هيئة استثمار كربلاء مع آخرين قبل أكثر من شهر.
-يذكر أن العتبة الحسينية المقدسة أقامت، منذ سنة تقريباً، دعوة استملاك لأغراض مشاريعها بموجب المادة 9 من قانون الاستملاك رقم 12 لسنة 1981 التي منحت الحق للدوائر الحكومية باستملاك أي عقار لتنفيذ مشاريعها. ورأت محكمة بداءة كربلاء أن طلب المستملك (العتبة الحسينية) حرص وسعى سابقاً لتنفيذ مشاريع ذات صبغة خدمية وأغراض نبيلة وسامية بتوفير الخدمة لزائري الإمام الحسين (عليه السلام). وفي قرار مطول رأت أيضاً أن ما يتعلق بالإجازة الاستثمارية الممنوحة والعقد المبرم بموجبها، فإن الموقع أساساً مشمول بالترحيل، وتأخر تنفيذ ذلك (الترحيل) لعدم توفر بديل، الذي يقع على عاتق الحكومة المحلية، التي يفترض أن تراعي التصميم الأساس قبل منح الإجازة الاستثمارية، وبعد شروح مطولة قررت المحكمة الحكم باستملاك العقارات التابعة إلى وزارة الصناعة وتسجيلها باسم الأمانة العامة للعتبة الحسينية المقدسة بمبلغ قدره نحو 7.5 مليار دينار أرضا ومعدات. وبنفس الآلية قررت المحكمة أيضاً استملاك الأراضي التابعة إلى وزارة المالية بمبلغ قدره نحو 10 مليارات دينار أرضا ومنشآت ومعدات، كما قررت المحكمة استملاك الأراضي التابعة إلى بلدية كربلاء بمبلغ نحو 7 مليارات دينار. كما تكون قيمة بدل العقارات البالغة أكثر من 100 دونم، مع ما عليها من معدات ومنشآت، نحو 25 مليار دينار تُدفع بتفصيلات لمستحقيها بنسب، بموجب قرار المحكمة.
والسؤال هو: أين هو دور الحكومة بوزاراتها المتعددة وملكيتها لهذا المعمل الكبير؟ ولماذا تتركه لجهات تتصارع للحصول عليه بشتى الطرق؟