رمضان .. طريق الهدى والصفاء الروحي

171

ذوالفقار يوسف /

ونحن نقترب من أيام الشهر الفضيل، نتوجه نحو قبلة لا شبيه لها، هي الأولى في السيطرة على أنفسنا، والمثالية في التحكم بكل تصرفاتنا، نعترف بأنها الأمثل للتهذيب. إنه شهر، في كل ما يحتويه عجيب، إذ لا نعهد البشر كما نعرفهم، ولا الوقت، حينها كان للملائكة صوت، كل ذلك ستراه ما إن يقبل شهر الطاعة، شهر رمضان الكريم.
وبينما ينتظر الجميع قدوم هذا الشهر الفضيل، تترقب الأعين كل ما تريد رؤيته عند مجيئه، وتنبثق الذكريات لتتأمل ذكريات سابقة توجت في هذا الشهر العظيم: أوقات السحور، وصوت القرآن الكريم في كل مكان، وأطفال يتحضرون لمجيء وجبة الإفطار، وأنوف تشم ذلك العطر الذي لا نشمه إلا في هذا الشهر، كل ذلك كي نستعد لهذا الشهر المقدس.
“راح عنك الجوع”
ولأن الأم هي أقرب ما تكون للكائنات المقدسة، لذا تراها تترقب وتبحث وتفتش كل شيء في البيت، أدوات المطبخ، المواد الغذائية اللازمة لهذه الشهر، إذ أنها المقاتلة المجاهدة في هذا الشهر، فلا جوع يحكمها، ولا عطش يقيد تحضيراتها لشهر رمضان الكريم.
(حيدر رزاق – 26 عاماً) يحدثنا، وهو واثق بشكل مطلق من أن هناك من سوف يسنده ليعينه على الصوم إذ يقول: “من سيجوع إذا كانت أمي موجودة، إذ أنها كل رمضان تتحفنا بأفضل وألذ الأطعمة الصحية التي تقوينا في فترة الصوم، وتحاول قدر استطاعتها أن توفر لنا الجو المناسب لإكمال هذا الشهر ونحن صائمين.”
يضيف رزاق “إنه لأمر مهم أن يكون لك من يساعدك، فمجيء رمضان في فصل الصيف يجعلني أجهد، ولكن هيهات، فمقولات أمي المتعددة هي ما تجعلني أصبر للوصول إلى مبتغاي، ألا وهو تحقيق واجب الصوم، وإذا ما فكرت في أحد الأوقات في أن أكسر صومي، أسمع منادياً يقول لي بصوت عذب لامثيل له (يمه … راح عنك الجوع). وها أنا كلما سمعتها أصمت وأكمل صيام اليوم.”
شهر الإصلاح
ومن منا قد وصل به الأمر ليكون مثالياً في كل الأشياء، إذ لا أحد يستطيع أن يؤكد هذا، لذلك فإن هناك من ينتظر شهر الغفران بلهفة عظيمة، ليحاول أن يصحح أخطاءه، وأن يعود ليتقرب من الله مجدداً، وأن يطهر نفسه من كل شائبة، وهذا الشهر هو الفرصة الوحيدة في الدنيا لذلك، لذلك نقسم ونعاهد أنفسنا ما إن يأتي هذه الشهر سنفعل كل ما في وسعنا.
(محمد أبو سليم – 34 عاماً) لا يخجل من الاعتراف بأنه أحياناً يترك بعض الفرائض بسبب الأعمال والانشغالات، يقول أبو سليم “إنه شهر الطاعة، لذلك لابد من طاعة الرب والالتزام بمواعيد الصلوات، ورغم معرفتي بأن الصلاة واجبة في كل الأيام كما في هذا الشهر، إلا أنني أشعر أن هناك خصوصية وقداسة فيه أكثر من الأيام الأخرى، لذلك تراني ألتزم بصلاتي في شهر رمضان الكريم.”
الدخان أم رمضان؟
لم يكن محمد هو الوحيد في هذا الانتظار، إذ أن (قصي أمير – 35 عاماً) المتمسك بتدخين السكائر بشراهة، ما يجعله ينتظر أية فرصة تسند إرادته للإقلاع عنها، فهي فرصة عظيمة -حسب قوله-، ليكمل “أعاني وعائلتي منذ أن وضعت أول سيكارة في فمي وإلى الآن، الدخان والسموم التي تنبعث منها تدمر صحة كل من في المنزل، الأطفال والنساء وكل من يستنشقها بلا إرادة، أما أنا فحدث ولا حرج، فرئتاي ضعيفتان، وأشعر كما أن هناك قوة تمسك أسناني بفمي، وكأني أبلغ من العمر 60 عاماً.”
يضيف أمير “وها أنا اليوم أستعد لمجيء هذا الشهر الفضيل لأضع حداً لهذه المأساة، وأيضا لأجعل الله سندي في هذه المحنة، وكلي ثقة بأنه سوف يساعدني في الإقلاع عنها، وأن أكمل شهر رمضان الكريم لأحسب على غير المدخنين.”
جود والوعود
ولأننا نحب أن نظهر أقوياء ورجالاً منذ صغرنا، فإننا نحاول أن نقلد الكبار في كل شيء، ليصل بنا الحد إلى أن نقوم بأصعب الأعمال التي يقومون بها، كل ذلك لكي نبني شخصياتنا، ولنثبت لهم قوتنا وإرادتنا، وكان الصوم هو أول التحديات، فمن منا يستطيع أن يصوم طوال اليوم فإنه يعتبر البطل الذي يحقق المستحيلات، وها هو الطفل (جود علي – 6 سنوات) يحاول تحقيق حلمه، فقد وعده والده، وهو في الخامسة من عمره، بأنه سيجعله يصوم في السنة المقبلة، لم ينسَ جود ذلك، وها هو يتسعد -كما نحن- لمجيء الشهر الفضيل، ليكون نوراً لكل الأرواح المتطلعة لإداء الفريضة المقدسة.
سفرة وسفرة
وتنتهي الأشياء كما بدأت بسيدة رمضان الأولى، الأم، تلك المرأة المثالية في عيون كل ابن، المقدسة في الكتب السماوية، بطلة روايتنا، وملكة الحنان المطلق. وها هو شهر رمضان يقبل علينا ليضاعف الحنان ألف مرة ومرة في داخل هذه المخلوقة، فالحاجة (رسمية – أم سميرة – 63 عاماً) تبدو فرحة بقدوم رمضان، كما تتحدث إلى “مجلة الشبكة العراقية” في أفضل أيامها نشاطاً وتقول: “بالرغم من تشابه أساسيات أعمال هذا الشهر الفضيل، إلا أنه يختلف في أحداث أيامه ومواقفه، لذلك أتهيأ لكل المتغيرات، وأقوم بعمل كل الاحتياطات لأجل أسرتي، فاشتري الأطعمة الأساسية المتكرر وجودها في كل وجبة فطور رمضانية: من التمر، والعدس، والعصائر الطبيعية المتنوعة.”
تضيف أم سميرة “لم يكن هذا كل شيء، فحناني كأم يجعل الطعام أفضل، لذلك تراني أقوم بطهو الطعام بحب لعائلتي، على الرغم من تعبي في تلك الأوقات، كما أحاول أن أحقق شروط الأمومة التي يعهدونها بي منذ ولادتهم في هذا الشهر الفضيل أكثر من بقية الايام، وها أنا انتظره وعائلتي بفارغ الصبر، عسى الله تعالى أن يبلغنا إياه ويجعلنا من الصائمين.”