على مدرجات ملعب (جار) في طاشقند شقراوان بقلبٍ مملوح
آمنة الموزاني /
يقولون إن الوطن هو صوت هاتفك الذي لايكف عن الطنطنة المُنقذة من رجفات الليالي الغريبة، حاملاً في طياته الدافئة سؤال الأصدقاء ولوعة أمك الملهوفة بـ كَلبي طاگكَ عليك”.. بل واحدة من أمرّ ضرائب الفراق هي أن تمشي بين (درابين) البلاد الباردة وتحاول استرجاع مخيال شراء الكتب القديمة من على الأرصفة، وكأن قبعة الثلوج الكئيبة هي ذاتها شمس تموز اللاهبة التي تستقبلك بممنونيّة صوت رخيم يُشبه بغداد: “اتفضل عيوني..”
تخيلوا، هكذا يمشي الناس وحيدين هناك، كل واحدٍ منهم يحاول أن يصنع وطناً صغيراً ويلفهُ بقماشة ويعلقهُ كحرزٍ في جيوب قلبه كي لا يتوقف، مثلما فعل العراقي -حدّ نخاع – (سمير إلياس بطرس) وعائلته الجميلة من على مدرجات تشجيع منتخب الشباب في مباراته مع اليابان. سمير المغترب في أوزبكستان منذ فترةٍ ليست بالقصيرة، الذي أصرَ على حضور جميع مبارياتِ منتخب الشباب في طاشقند، هو وعائلته، برغم ارتباطاتهم العائلية، وكذلك متحدياً بعد المسافة بين الملعبِ ومكان سكنهم، ببساطة لأن حُب الوطن في نظره ليس تجارة، وطرفاه لا يبحثان عن فائض الربح وتنامي المدّخرات، وإنما هي تربة الروح التي تكتسب في حياتها تمازجاً حقيقياً لا تحدهُ الأمكنة ولا المسافات.
جلس سمير وطفلتاه الشقراوان، مع ابتسامةٍ رخيمة تتمايل كدلع الشناشيل، على المدرجات وكأنهم عراق مصغر من الحنيَّة والجمال، يصفقون ويلوحون بالفوز بكفوف قابضة على الفرح، مهما كان ثمنه، إلى درجة أنك تشعر أن خلف تلويحاتهم ينصت العالم بأسره من خلف الشاشات. الكابتن عدنان درجال رئيس اتحاد الكرة نزل، ببساطته وروحه الرياضية الشفيفة، إلى المدرجات ليعبّر عن شكره وتقديره لعائلة سمير العراقي، الحاضر في جميع مبارياتِ منتخب الشباب في طاشقند هو وعائلته، رغم ارتباطاتهم العائليّة، وكذلك ثمّن درجال دورَ عائلة العراقي الوطنيّ المخلص، ودعاه إلى حُضور المباراة النهائيّة وقدّم لهم القميصَ الخاص بمنتخبِ العراق.
فرحة كأس آسيا التي حظينا بفوزها الثانوي بعد عشرين عاماً من الانتظار المُرّ، والفرح الغائب عن قلوب الناس حينما تهزّ شباكها وتترجرج بلحظة فوزٍ فجائية، لم يكتبها لنا القدر، بعد أن كان آخر لقب مُبهج وجابر للخواطر بأقدام الكابتن عماد محمد -مدرب المنتخب الحالي- عام ألفين، وهدفهُ الذهبي الذي سجلهُ عندما كان مهاجماً للمنتخب، ولحد هذه اللحظة لم نحقق أية بطولة أخرى، لكننا مؤمنون تماماً بجدارةِ لواء الكرة العراقية.