دلفري هدّام القناعة في موائد الأسر

164

ذو الفقار يوسف /

بروية، تبصر السماء أفعالنا، فسبحانه وتعالى يشاهد النفوس، يعرفها، وكما هو قربه إلينا، كان هذا القرب لنوايانا وتصرفاتنا، فكان لابد للتواضع أن يحل، أن نعرف جيداً بأننا احسن حالاً ما إن كنا تحت رحمته، نرضى بما قسمه لنا، نكون قانعين راضين بما يهيأ لنا من طعام يبعدنا عن مد يد لطلب الحاجة فيما بعد، ولنخزن ليومنا الأسود نقود التدبر في عالم صار كل شيء فيه غلاء، لنبتعد عن كل ما زاد من الأشياء.
ويخيل للجميع بأن التدبر بخل، وأن الحرص هو التقشف المبالغ فيه، لذلك تنبعث من فوهة التطور أشياء نحن في غنى عنها، مديات جديدة في حياتنا تؤطر بإطار التقليد والرياء والتظاهر والتفاخر، كان أحد هذه الانبعاثات هو التوصيل السريع للأطعمة، أو ما يسمى بـ(الدلفري)، وكما يعرفه البعض بأنه شراء الأطعمة والمأكولات من المطاعم، لتفقد الأسرة جمعتها على مائدة واحدة، وأيضا تبتعد عن قناعة الرزق. (مجلة الشبكة العراقية) بحثت في هذا العالم لتجد معاناة لا تنتهي، تنقلها لكم عبر هذا المنبر.. فكونوا معنا.
نفس طيبة
يقبع تحت ألسنة الشكوى العديد من الرجال، فهم أول من يعاني من هذه الظاهرة. ومع علمنا بأنها حديثة العهد، إلا أنها قد انتشرت وأصبحت أساساً روتينياً لكل عائلة في كل يوم. يحدثنا السيد (هشام البيضاني)، وقد بان على محياه تذكر معاناته مع هذه الظاهرة فيقول: “لأنني أعشق الأكل المطبوخ في المنزل، أحاول أن أسترجع أيامنا تلك عندما كانت عائلتي تنتظر زوجتي حين إكمالها طهو الطعام، فالأم قد تميزت بخصائص عديدة إذ أنها تحضر الطعام لعائلتها بحب، كان الجميع يشعر بهذه اللذة، قدور الطعام والأواني هي الأخرى -كما نحن- تطالب بعودة تلك الأيام، لنجتمع على صحون القناعة ونأكل ما قسمه الله لنا من رزق.”
يسترسل البيضاني ويستذكر بقوله: “كنت قد تذكرت والدتي (رحمها الله) وهي تطهو الطعام، تلك البصمة اللذيذة التي استطعمها، أعرف وأتيقن أن هذا الطعام من صنع يدي أمي، ها نحن قد جعلناها تختفي كلما طلبنا الطعام (الدلفري)!”
السمنة هدفنا ..!
تستأصل هذه الظاهرة كل نظام اعتدنا عليه، وكما أن هشاماً يعاني من غياب (النفس الطيب) في الطعام، كذلك يعاني (أبو أحمد) من شوقه للطعام المطهو في المنزل، بسبب أن وظيفة زوجته تأخذ وقتها كله، لذا تستبدل الطبخ في المنزل بطلب الطعام الجاهز من المطاعم، يبين شكواه ويقول: “صارت حياتنا كلها طعام سريع التوصيل، تلك الوجبات الجاهزة التي لا طعم فيها ولا رائحة ولا بركة! فتسمم بدن أطفالي وبدني بالدهون المكرر استخدامها، ومصدر الطعام الذي لا نعرفه، وحتى نسبة نظافته من عدمه، ولطالما قابلتها بطلب الطهو لنا، فتجيبني (وين أكدر الحك).”
يشتاق أبو احمد إلى العديد من الأكلات التي كان يتناولها في السابق، فحسب قوله إن هذه الأطعمة التي تصل بصورة سريعة متشابهة في الطعم، فقط الاسم هو ما يوحي بتنوعها، وأخذ يتذكر أمامنا الأطعمة العراقية التي كانت تطبخ في المنزل بأيدي والدته وأخواته، وينفث الحسرات على ضياع تلك الأيام، وهو يلعن كل من أدخل علينا هذه الظاهرة.
مصرف ( زايد)
تعترف النساء أنهن المسببات لهذه الظاهرة عندما سألناهن عن كيفية إصلاح الأسرة في هذا الأمر، فإحداهن قالت إن “الأمر أصبح خارج السيطرة، فعندما كنت في أحد الأيام ذاهبة إلى زيارة أهلي، تركت عائلتي بلا طعام حينها، وطلبت منهم أن يبعثوا بطلب إلى أحد المطاعم لشراء وجبتي الغداء والعشاء، فهما بديلان سريعان، إلا أنني فوجئت بتكرار طلب أولادي لهذه الأكلات، والأن أحاول أن أعيد الأمور إلى نصابها من جديد.”
ميسون الخزرجي (39 عاماً)، هي الأخرى تعاني من نقص الأموال، فمرتب زوجها لا يكفي لهذه الطلبات، تؤكد الخزرجي أن “طلب هذه الأطعمة هو إسراف في الأموال والصحة، إلا أن زوجي وأولادي أصبحوا يفضلون هذه الأكلات على الطعام الذي أطهوه في المنزل، فحسب قول زوجي لي: يجب أن تكوني سعيدة لأننا نخلصك من عناء الوقوف في المطبخ وتحضير الأطعمة في هذا الجو الحار.”
عند نسائنا الخلاص
ومن خلال تحقيقنا هذا، ولقائنا ببعض الناس، استطعنا أن نعرف أين الحل وبيد من، إذ أن الأم، والزوجة، والأخت، هن الوحيدات اللاتي بإمكانهن السيطرة وإعادة نظام الأسرة بخصوص المائدة وأهميتها، وإرضاء كل فرد في العائلة بهذا الخصوص. سمية تحسين (44 عاماً) أكدت لنا ذلك بقولها إن “كل امرأة عراقية هي المتحكمة الوحيدة بوجود هذه الظاهرة في منزلها من عدمها، فتطور صناعة الأطعمة لا يقتصر على المطاعم، وأيضاً هناك قنوات تلفزيونية ومواقع تعليمية تجعلك تتعلمين كيفية إرضاء العائلة والحرص على أموالها وعدم إهدارها بصورة لا ترضي الله، إضافة إلى أن التجمع على مائدة واحدة فيه بركة ودوام الرزق من الله سبحانه.”