جليل مطشر: الفن الرقمي يقودنا إلى التخلص من اجترار الأفكار
زياد جسام /
د. جليل مطشر.. فنان تشكيلي وباحث أكاديمي، غالبية نتاجاته الإبداعية في الرسم تدل على أنه منشغل فعلاً في البحث عن الخامات والتقنيات الحديثة التي عادة ما تكون مهملة، إذ وظف هذه التقنيات والتكنلوجيا في تجاربه، حتى أصبحت تمثل هويته الخاصة.
أقام العديد من المعارض داخل العراق وخارجه، كان أحدثها معرض بعنوان (إناث)، الذي أقيم قبل أيام على قاعة المعارض في كلية الفنون الجميلة – بغداد، إذ تناول في أعماله جملة من البوسترات التصميمية الخاصة بالمرأة.. أجرينا معه هذا الحوار للحديث عن تلك التجارب:
تلجأ في غالب الأحيان إلى طرق التنفيذ الرقمية، ما الذي يدفعك إلى ذلك؟
– أساليب التنفيذ الرقمية هي جديد الفن، ومنها التشكيل -إذا صحت التسمية- الذي نقلته تلك الأساليب من الراكد الكلاسيكي الممتد منذ بدايات بصمة الكف الأولى على جدران الكهوف ولحد ظهور العالم الرقمي. فالتشكيل هو المتحول المتطور والمزيج المسيطر على مشهد الأداء الكوني بمجمل تفاصيله، والعمل فيه ما هو إلا تميز قد يواجه -كما هو الآن- تاريخاً طويلاً لمعيار كلاسيكي لا يسمح بجديد التكنولوجيا والخامات، ويظن أن العمل بأدوات وخامات التأسيس الأولى للتشكيل هو الفن بعينه، وما غيره سوى محاولات بائسة لثلم هرم التشكيل ومحاولة زحزحته عن ثابته المرتكز إلى تاريخ من العطاء الإنساني بنظرياته وأساليبه.
*هل تقدم أعمالك على أنها أعمال تصميمية؟ أم أنك تناقش قضايا حياتية بطرق تشكيلية مختلفة؟
-العمل بتقنيات (الرقمنة) الجديدة هو الحراك الذي لابد منه لاختزال الزمن والجهد، والسير بخطى تتوازى مع جديد التكنولوجيا التي تحكم العالم, وما النتاج الفني إلا جزء لا يتجزأ من منظومة كونية تتحكم بها مؤسسات تبدع وتبتكر وتقود كل شيء، من السياسة والاقتصاد إلى وجبة الطعام والزي والسيارة والموبايل وغيرها، فهي من تكسونا، وهي من ترتب لنا قصات الشعر، وهي من تبتكر الأطباق، وهي من تطرح موديلات السيارات والموبايلات, ويأتي الفن جزءاً من تلك التخصصات التي يجب أن يتأثر، بل أن يكون فاعلاً حيوياً ضمن تلك الدائرة الإبداعية. فمواكبة الجديد هي ما تدفعني إلى العمل بتلك الخامات والتقنيات، أضف إلى هذا أنها عامل مساعد في تقصي الجديد، المادي والفكري, ففي تجربتي التي أسميتها (مربع) كانت خامات الطباعة هي (الورق اللاصق)، الذي يعد من الخامات الشعبية التي لا يفكر أحد في أن ينتج عملاً فنياً بتلك التقنية, وقد حقق المعرض صدى كبيراً ضمن دائرة المشهد الجمالي العربي والعراقي.
* ألا تعتقد أن العمل الفني المطبوع بالطرق الحديثة يمكن تكراره، وبالتالي يفقد من قيمته الإبداعية؟
– بالنسبة لموضوع الطباعة وتكرار العمل وفقدان القيمة الإبداعية، فهذا الموضوع أصبح ماضياً لا يمكن التعكز عليه، لأن عمليات التزييف طالت كل شيء, أضف إلى ذلك أن الخطوات المتسارعة للجديد الرقمي تقودنا إلى السير معها خوفاً من التخلف واجترار الأشياء والأفكار، لأنها ولادة حقيقية ومساعد عظيم في الإبداع والابتكار، بما فيها من مساحات تقنية وخامات تكون محفزاً فاعلاً للفنان، لكني، رغم كل تلك التطبيقات، عملت على خلق تلاقح بين ماضي وحاضر التقنية وما فيها من خامات هي في تكوينها تنتقل بي إلى فضاءات إبداعية تحقق الدهشة والغرابة.
*هل يختلف موضوع التنفيذ لديك عندما تريد إنجاز عمل فني كلاسيكي؟
-حتى في العمل بالتقنيات الكلاسيكية وخاماتها، فإني ألعب بذكاء المشتغل، الذي ينقل خامات عفا عليها الزمن، وأحيلها إلى عمل فني أميل أن يكون التصميم حاضراً فيه، حتى في المسمى الذي أحرص على أن أتناول السمة الجمالية بما فيها من إدهاش وجاذبية، لتكون موضوعات أقرب منها الى التزيينية التي تغزو العالم, وهذا ما لمسته من ردات فعل ممتعة وحقيقية من كبار أساتذة الفن بمختلف تنوعاته، وكان إطراءً محسوباً ناقداً حفزني على أن أنتج 8 معارض شخصية متنوعة خلال مدة 13 عاماً, اقتربت فيها من العالمية، وذلك من خلال عروض عديدة للشراء بصيغ إلكترونية على صفحات تخصصية.
* بما أنك تؤمن بالفن الرقمي، هل تعتقد أن العالم الافتراضي يمكن أن يسهم في إيصال الفنان إلى العالمية؟
– العالمية لم تعد حكراً على أحد، فالحاذق من الفنانين هو من يستثمر جديد التواصل الاجتماعي لينطلق في بناء مؤسسته الافتراضية التي توصله إلى العالمية, أما على مستوى التسويق، فإن الموضوع بحاجة إلى لعبة ذكية يتقصاها الفنان من أجل خلق بيئة استثمارية لتسويق أعماله الفنية, وهذا ما حرصت عليه خلال زيارتي إلى جدة في المملكة العربية السعودية، حيث رتبت لإقامة نشاط فني هناك بمساعدة أصدقاء سعوديين.
* منذ بداياتك وإلى الآن مررت بتجارب فنية مختلفة ناجحة إلى حد ما، هل جاءت هذه التجارب بتأثيرات من أحد الفنانين؟
– محمد مهر الدين وضياء العزاوي وخليل الزهاوي.. أولئك الأفذاذ كان لهم وقع فكري وجمالي على تفكيري، أضف إليهم (فازاريلي)، أحد رواد الفن البصري (OP ART)، الذي بدأ بصرياً واستمر هذا التأثير إلى اليوم، ما أدى إلى أن تكون ثيمة المربع حاضرة شكلياً في معرضين شخصيين، إذ تميزت بها وأخذتها مني جملة فضائيات لتكون إشكالية خلفيات في فواصلها التلفزيونية.
*كيف تجد جيل الشباب من التشكيليين العراقيين؟
-أقترب كثيراً من طلبتي، وحتى المحترفين من الفنانين الشباب، وأتحاور معهم من أجل خلق خصوصيات تنفتح على العالم وتؤثر فيه، وبرغم صعوبة الموضوع فإن لدينا جيلاً ممتازاً من الشباب، ينافسهم آخرون يستعجلون الظهور فتخرج أعمالهم مدرسية بائسة، فالإبداع هو تقصي ما حولك والإتيان بجديد من هذا الموجود.