عندما تكون حياتك قصيدة ممتدة!
جمعة اللامي/
صدر في جمهورية ألمانيا الاتحادية، قبل سنوات، كتيّب رشيق أنيق بعنوان “(غوته.. العبقرية العالمية)”، بإشراف الكاتب المسرحي والصحافي فارس يواكيم، الذي بعث إليّ بنسخة من الكتاب هدية منه. وحرّر هذا الكتاب، نخبة من المعنيين بالأدب الألماني،
“يا لحماقة البشر عندما يصر كل منا على رأيه، إذا كان الإسلام معناه أن نسلم أمرنا إلى الله”.
(غوته – سفر الحكمة)
بينهم زمرة سبق أن تربينا على نتاجاتهم الأدبية في بداية عقد الستينيات من القرن الماضي، منهم الدكتور عبد الغفار مكاوي، الكاتب والأديب في مجلة ” الآداب” اللبنانية في حينه، والشاعر سعيد عقل.
وكتبت الدكتورة هيلدغارد شتاوسبرغ، المحاضرة في جامعتي كولونيا وبون، والصحافية والإذاعية، كلمات قليلة في الغلاف الأخير من الكتيب ما يلي نصها: “في حياته المديدة تعلّم غوته وعلّم كثيراً، وعاش إشكاليات الإبداع والسلطة والمجد والحب والسعادة والألم وتماهت هذه بتلك، حتى ليتساءل المرء: هل كتب غوته أشعاراً أم كانت حياته قصيدة طويلة؟ وهل صاغ النصوص المسرحية أم كانت حياته دراما حافلة بالقضايا والشخصيات والأحداث؟”
وإنها لجرأةٌ ما بعدها جرأة، أن تنشئ كاتبة عبارة من 42 كلمة، لتقدم من خلالها غوته، هذه المعجزة البشرية في زمانه، وزماننا، والأزمان القابلة، لأنه بحق أحد رجال الإنسانية الذين حلقوا في أجواء العلوم والفنون والتسامح واحترام ثقافة غيره من البشر، فكان تجربة حياة لا يمكن إغفالها.
لقد ترك غوته في جيلنا، والأجيال التي سبقتنا من العرب، أثراً لا ينسى، وأسبغ علينا من فضائله شمائل لن يمحوها الزمن، واقترب من أفهامنا كما لم يقترب غيره من الألمان وغيرهم من أدباء أوروبا وأمريكا، لأنه – ربما – كان شريكاً لنا، أو أننا شاركناه، في اهتماماته الضخمة بالإنسان الذي يطوّر مداركه ويسمو لرفعة إنسانيته، فكانت تلك الأجيال العربية، “تجربة عربية” ترنو باتجاه “التجربة الألمانية” وتتفاعل معها.
دخل غوته إلى قلوبنا، مسلمين ومسيحيين ومن ثقافات أخرى، لأنَّه تعامل مع الرسول الكريم، بالعقل الحكيم والعاطفة المتوازنة، فاقترب من نوره، ونهل من فيوض شخصيته، حتى أنك لتجده، عليه أفضل الصلوات والسلام حاضراً في أغلب أعماله، وجلّ اهتماماته.
وكسر غوته حواجز كثيرة، شادها غيره لعزل العرب والمسلمين عن الثقافات الأوروبية عموماً، فعمل نفر من الأدباء العرب على الاختصاص بأعماله، والتخصُّص بدراسة مناقبه وآثاره، ما كان له أثر حميد في بناء نظرتنا الى الآخر، على أسس صحيحة وراسخة، قوامها الثقافة التي لا تحملها اشتراطات المصالح الزائلة.