مهرجانات ومؤتمرات تهدف للارتقاء بالثقافة العراقية

481

زياد جسام/

أعرب عدد من المثقفين والمهتمين بالشأن الثقافي العراقي في مواقع التواصل الاجتماعي وعبر المنصات الالكترونية وغيرها عن ارتياحهم بالاهتمام الحكومي الذي بدا مختلفاً في الفترة الاخيرة، مثل رعاية المهرجانات والمؤتمرات الثقافية والمعارض الفنية وغيرها، لا سيما الاحتفال المركزي الذي أقيم مؤخرا بمناسبة 100 عام على ولادة رائدة الشعر الحديث نازك الملائكة.
على هامش هذا الاحتفال الكبير تحديدا كانت لنا وقفة مع بعض المثقفين والكُتَّاب الذين أبدوا إعجابهم بهذا الاهتمام الحكومي الواضح الذي يدعو للتفاؤل على حد قولهم، فتحدّثت الكاتبة عالية طالب: “الثقافة تنثر مساحاتها.. أن نحتفي بالرموز والرواد ومن ترك بصمة المنجز المميز فتلك هي الظاهرة الصحية، وأن ننجح في ترتيب أولوياتنا فذلك هو المفصل بين التغافل والاستذكار، وحين نجمع العقول والافكار فهو الفعل القادر على توثيق خطواتنا”.. وأضافت “نجح استذكار الرائدة نازك الملائكة ليس لأن التنظيم والتهيئة والوسائل كانت متاحة فقط، بل لأن العراق حين يتعافى يخترق المألوف ويسجل نقطة الانطلاق الفاعل. شكرا لمن ساهم وفكّر وأنجز”.
رموز الثقافة
أما الشاعر والناقد حامد عبد الحسين حميدي فقال: “الاحتفاء بنازك الملائكة في مئويتها الذي تبنّاه دولة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، أثبتَ أنّ المرأة العراقية الشاعرة حاضرة في ذهن الأجيال العراقية والعربية، رمزاً للثقافة، لدورها الرياديّ الفاعل في التأسيس للشعر الحرّ الحديث، رغم ما تعرضت له من مظلومية في عدم إنصافها على مرّ السنوات المنصرمة، إلا أنّ قصيدتها (الكوليرا) تعدّ أثراً كبيراً دالّاً على تفوّقها الشعري، فالاحتفاء – هنا – جاء إنصافاً لها، في محاولة للخروج من سلطة الذكورية المهيمنة في المجالات كافة، فكانت تشعّ من بين مجايلاتها ألقاً شعرياً زاخراً بالتجديد يزاحم كلّ الأضواء المتلألئة لتخطفه وبما تملكه من موهبة فذة، ولتتصدّر القائمة”، وأكد أن الشاعرة العراقية نازك الملائكة هي التي عادت من جديد في المئوية، وقال: “إيذاناً لها بأنها ما تزال الحاضرة بيننا ثقافة شعرية ونقدية، ولها الحقُّ علينا وعلى نقادنا المعاصرين أن يسلطوا الضوء ويتناولوا منجزها الشعري والنقدي لكي يعرفوا الأجيال بما تركته من إرث أدبيّ خالد”.
حدث استثنائي
وتحدّث د. مظفر الطيب عن الاحتفال قائلا: “من المفيد بمكان أن يقام مثل هذا الاحتفال تذكيرا واعتزازا بالقامات الفنية والفكرية والعلمية وحتى الرياضية، لكي يعطي قيمة تربوية وأخلاقية للمواطنة من جهة ورافدا جديدا للجيل القادم من جهةٍ أخرى، وما رعاية رئيس الوزراء لذكرى مئوية الشاعرة (نازك الملائكة) إلا دليل واضح لهذه الأهمية، ذلك لما تحمل من معانٍ جديدة لتوجهات الوزارة للاهتمام بالثقافة والفكر، ذلك أن هذا الجانب من حياتنا الفكرية لم يكن يحظى باهتمام الحكومات المتعاقبة، وبهذا الاحتفال فتح بابا جديدا ومهما للحياة الثقافية العراقية، وأكبر دليل على ذلك هو هذا الزخم الكبير والنوعي من الحضور والمشاركة، إذ نتأمل خيرا في المستقبل القريب للاهتمام بالثقافة والأدب”.
وتحدّث الناقد زهير الجبوري عن المناسبة، واصفا إياها بأنها استثنائية في الثقافة العراقية او في الأدب العراقي، لأنَّ الدولة في هذه المسألة استذكرت رمزا ثقافيا مجددا في الشعر العربي الا وهي الكبيرة نازك الملائكة، على حدّ قوله، وأضاف: “هذا يعد فعلا اعتمد الجندر.. فامرأة تجدّد الشعر العربي مع أقرانها.. مسألة في غاية الحساسية، والشيء الأكثر لفتا للأنظار أن من قام بهذا العمل هو الوسط الثقافي ذاته متمثّلا بمستشار رئيس الوزراء الا وهو الشاعر عارف الساعدي ومن معه، الحفل استعادة لعافية الثقافة وهي تحتفي بأحد رموزها ووجود أسماء عربية ساندت وشاركت في فقرات الملتقى”.
كلمات بالمناسبة
يذكر أن السيد رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني حضر ورعى الاحتفال المركزي بمناسبة مرور مئة عام على ولادة رائدة الشعر العربي الحديث “نازك الملائكة” الذي انطلق أواخر شهر أيار واستمر ليومين متتاليين، كان ذلك تكريماً لمنزلتها الثقافية ولتاريخها وتأثيرها في الشعر العراقي الحديث، وقد شهد الاحتفال حضورا نخبويا مميّزا لعدد من الشخصيات الأدبية والثقافية في مختلف محافظات العراق والوطن العربي، بالإضافة الى شخصيات دبلوماسية وسياسية، كما حضر أفراد من عائلة الشاعرة المحتفى بها للمشاركة بهذا اليوم الذي تأتي أهميته للتعريف بدور هذه الشاعرة الرائدة في الثقافة العربية والعراقية.
وكان لدولة الرئيس السوداني كلمة بالمناسبة وصف فيها هذا الحفل بالنافذة إلابداعية التي نطل من خلالها على واحدة من أهم التجارب الأدبية في تاريخنا الحديث، في إشارة اليها بوصفها صلة حيَّة بين ماضينا المفعم بالإبداع المتجدّد وبين الحداثة بكل تجلياتها وانعكاساتها، واصفاً إياها بأنّها الرمز والشاعرة المجدّدة التي أصبحت عنوانا للتغيير الأدبي الذي يحمل مشروعا ثقافيا عمقه بعمق التحولات الاجتماعية التي عاصرتها، مؤكدا أن الاحتفال بولادتها يوازي الاحتفال بالحداثة في الشعر الذي يعدّ سمة حيَّة من السمات العراقية .. كما تحدّث بالمناسبة ذاتها رئيس المؤتمر ومستشار رئيس الوزراء الدكتور عارف الساعدي عن منجز الراحلة نازك الملائكة الكبير باعتبارها شخصية عراقية مؤثرة في المجتمع العراقي، وأنَّها أهدت كتبها ومنجزها البليغ الذي كان مؤثرا في المشهد الثقافي العربي، كانت كالنور تضيء دروب الثقافة عبر ما قدّمته من منجز أدبي كفيل بترسيخ الثوابت الأدبية في خريطة الشعر الحديث، أما الأمين العام للأدباء والكتاب في العراق الشاعر الدكتور عمر السراي فكانت له كلمة مهمة واصفا هذا الحفل بالضوء الساطع الذي هزم الظلام بصبر العراقيين، وشبَّه الحفل بوقفة وفاء لنازك الملائكة التي وضعت ابتسامتها ملاذاً ضد الأفول، وبلسماً للجراح، مشيرا إلى أن هذه هي عادة الأممِ الحيّة، أن تقدّر رموزها لتستمد الطاقة نحو المضي قدماً للمجد.
وشهد الاحتفال في وقتها قراءات شعرية لعدد من الشعراء المدعوين وتمت طباعة الأعمال الشعرية لرائدة الشعر العربي الحديث، القديرة نازك الملائكة، وصدورها بجزءين أنيقين عن دار الشؤون الثقافية العامة.