شهداء الطف.. رموز للتضحية… والدفاع عن المبادئ

192

طه حسين/

ترتبط الثورات برموزها ولا تكاد تنفصل الثورة عن أولئك الرموز الذين غيّروا مسار التاريخ وغيّروا المعادلة التي بنيت على أساس أن الانتصار يكون بالسيف وكسر الإرادات بالقوة والظلم والقهر، ليسود مفهوم جديد هو انتصار الدم على السيف، وكيف لا وإن هذه الدماء التي سالت وروت أرض كربلاء المقدسة في ملحمة الطف كانت أزكى الدماء لأشرف مخلوقات الله على أرضه، هذه الملحمة العظيمة التي سطّر رموزها أروع القصص والمآثر على مرّ التاريخ البشري لتخلدهم مواقفهم العظيمة ويكونوا نبراسا يضيء ظلام الانسانية التي ارتضى جائروها أن ينتهكوا حرمة آل بيت رسول الله عليه وعلى آله أفضل الصلاة والسلام.
الحسين ثائرا ومصلحا
كانت لوقفة الحسين عليه السلام، بوجه الطغاة الذين حاولوا أن يحرّفوا تعاليم الدين الاسلامي ويجيّروه من أجل ترسيخ مفاهيم وأفكار دخيلة على المجتمع والعمل على ترويع الناس وإجبارهم على الخنوع والخضوع لتلك المفاهيم، وقفة عظيمة غيّرت مجرى التاريخ وأعادت الحياة لهذا الدين الحنيف ورسّخت مفهوم التضحية والفداء من أجل إعلاء كلمة الله وكلمة الحق بوجه سلطان جائر، هذه الثورة العظيمة التي بدأها الحسين بمقولته الشهيرة: ” أني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولكن خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي”، لتنطلق بعدها مسيرة الاصلاح دون توقف وتتناقلها الاجيال من جيل الى جيل ويخلد من خلالها الحسين عليه السلام رمزا للتضحية والفداء والاصلاح، هذا الثائر الذي ضحى بكل ما يملك من أجل الحفاظ على نهج جده المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم.
العباس كفيلا
عندما تشتد الصعاب وتلتهب نيران المعارك تظهر المعادن وينجلي الغبار عن المواقف ليفصح غمارها عن بطل لا يشقّ له غبار ولا يهاب الصعاب ولا يخشى المصائب، إنه الكفيل “العباس” عليه السلام البطل المغوار الذي لم يكترث او يبالي لما أعده الاعداء من عدة وجيوش وعتاد، وانتفض مسرعا ليطفئ نار عطش أخيه الحسين عليه السلام وليفك الحصار الذي فرضه معسكر الاعداء على معسكر الحسين عليه السلام وأنصاره، فكانت المواجهة التي خلّدها التاريخ ليكون اللقاء الذي انتظره العباس طويلا من أجل نصرة الدين وإعلاء كلمة الحق، ليكثر القتل في صفوف الاعداء ولتنجح سهامهم بما عجزت عنه سيوفهم وتخترق الجسد الشريف الذي كان كل همه إيصال قربة الماء الى أخيه الحسين وعياله ليروي عطشهم وينال الشهادة والخلود.
زينب الحوراء
كما كان لرجال آل بيت النبوة الاطهار عليهم الصلاة والسلام حضور ومواقف عظيمة ومشرفة، كشفت عنها ملحمة الطف الخالدة، برز دور لم يقل شأنا وعظمة عن مواقف إخوانها وأبنائهم صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، إنّه دور زينب الحوراء عليها السلام التي لملمت كل جراحها وآلامها وحوّلتها الى مصدر للقوة والشموخ لتواجه به أشدّ وأعتى طغاة عصرها وأذلته بكبريائها وعظمتها وكانت ذلك الجدار الصلب الذي تحطّمت عليه أحلامه المريضة في إسكات صوت الحق، لذا فهي تعد أول محامية في التاريخ لأنها دافعت وناصرت قضية أخيها الحسين عليه السلام، ولتكون كلماتها أشد وقعا وإيلاما من السيف على رأس الطاغية يزيد لعنه الله.
علي السجّاد
ذلك الفتى المغوار الذي لم يزده القتل والترويع الذي نال أباه وعمه وإخوته وأولاد أعمامه عليهم السلام الا إصرارا وعزيمة وثباتاً على طريق الحق، فخطبته العصماء التي ألقاها في ديوان الطاغية يزيد كانت درسا بالغا في الإباء والاعتزاز بالفخر لانتسابه لشجرة آل بيت النبي الكريم عليه وعلى آله أفضل الصلاة والسلام؛ تلك الشجرة المباركة التي أصلها ثابت في الارض وفرعها في السماء، وبيّن من خلالها قبح ودناءة وعظم ما فعله ذلك الطاغية وجلاوزته وتجرؤهم على الله رغم أنّهم يحكمون باسم الدين الإسلامي الحنيف، تلك الشخصيات العظيمة وغيرها ستظل أبد الدهر راسخة في أذهان الناس على مرّ السنين، لتكون مثالا حيا وقدوة يحتذى بها ودليلا واضحا على انتصار إرادة الخير واندحار قوى الشر والظلم.