عراضات منافية للقيم ملك الموت.. بصاية ويشماغ وعقال

159

ذو الفقار يوسف/
تُجبر أم علي كل يوم لترسل ولدها الذي يبلغ من العمر 11 ربيعاً الى المحال التجارية، إذ إن غياب زوجها يحتم عليها أن تبعث ولدها ليأتي لها بكل ما تحتاجه من مواد غذائية ومستلزمات النظافة وغيرها مما تحتاجه ربة البيت
الا أن أم علي التي تسكن في منطقة الفضيلية تمسك قلبها كلما ذهب (علاوي) ليتبضع من المحال، فالحرب هناك كأنها لم تنتهِ بعد، وهي تدعو ربها ألا يتكرّر ما حدث لابن جارتها، الذي استقرت في رأسه رصاصة طائشة ليذهب قتيلا بلا سبب، فقط لأن هناك عراضة عشائرية في المنطقة.
وأنت تتصفح مواقع التواصل الاجتماعي فإنّك حتما ستجد العديد من منشورات التعزية لفقيد ما بسبب الرصاص الطائش من ممارسي هذه الظاهرة التي صارت بديلاً لداعش وضحاياه من العراقيين.
لا للموت نعم للحياة
دخلنا دار الحاج هاشم الخزعلي (57 عاما)، الكائن في منطقة الرئاسة في بغداد، ولأن تلك المناطق تعدّ من المناطق الساخنة التي يحدّدها الطابع العشائري مما يجعلها لا تهدأ لليلة واحدة، كنّا ضيوفاً بداره خوفا من أن تقع على رؤوسنا إحدى تلك الرصاصات الطائشة، يوضّح الخزعلي لـ(مجلة الشبكة العراقية) مفهوم العراضة ويقول: “العراضة او العراضات لها تاريخ قديم وقد تصل الى عقود من الزمن، فأبان ثورة العشرين المجيدة في العراق حفّزت بعض الكلمات والحركات الثوار ضد المحتل البريطاني في ذلك الوقت مما جعلها كتقليد ضروري عند الخوض بحدث عظيم عند القبيلة”.
يكمل الحاج هاشم “إن الاطلاقات النارية وهي التي تعد أولوية في العراضات العشائرية تتسم بشقين مهمين؛ أولها الاطلاق في التعزية والحداد، والشق الآخر عراضة المناسبات السعيدة، أما “الهوسة” فتكون عبارة عن أشعار عن هيبة ومكانة صاحب المناسبة السعيدة تحفز المعزين او المهنئين على الاطلاقات النارية”.
تعهدات ولكن
الشيخ فالح الخليفاوي يشارك الخزعلي معلوماته عن تاريخ العراضة العشائرية، لكنّه يختلف في تبسيط هذه الظاهرة بهذا الشكل، إذ إنها وبحسب رؤيته كمطّلع في شؤون عشيرته، تعدّ ظاهرة خطيرة لا بد من تحييدها او تقليص الفعاليات المؤذية فيها، فقد شدّد الخليفاوي على “ضرورة إنهاء هذه الظاهرة التي أنهت حياة الكثيرين، ونحن بدورنا ناشدنا العشائر عبر التجمعات واللقاءات التي تجمعنا في المناسبات الحزينة والسعيدة أن يتم إنهاء إطلاق العيارات النارية في المناسبات، الا أن ما نراه هو الاستمرار على هذا النهج”.
ويضيف الشيخ فالح “أخذنا على بعض رؤساء العشائر التعهدات الخطية بعدم تكرار هذا الفعل، لكن البعض منهم لم يلتزم بهذه التعهدات”، سألنا الشيخ فالح عن سبب ذلك فأكد لنا “أن أغلب العشائر العراقية تتميز بكثرة الشباب فيها، وهذا المرحلة من العمر تكون مندفعة ومتهورة، فالاندفاع في الافراح والتباهي بحمل السلاح من قبل الشباب جعل من هذه الظاهرة في تزايد، أما الاحزان فحرقة النفس بسبب وفاة أقاربهم يجعلهم ينفّسون عن هذا الغضب والحزن عبر الاطلاقات النارية في الجو وذلك في إشادة منهم بمحبتهم لهذا الفقيد”.
فتوى التحريم
يؤكد السيد محسن الموسوي أن “العديد من الناس يمارسون هذه العادة دون العودة الى قانون الإنسانية الأول وهو الحفاظ على النفس الإنسانية فقد جعلها الاسلام محترمة، فقد قال تعالى في كتابة الكريم: ((من قتل نفسا بغير نفس او فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا)) سورة المائدة”.
ويضيف الموسوي، أن “العديد من أبناء العشائر يجعلون من العراضات المسلحة أولوية في تعبيرهم في المناسبات، لذلك كان لا بد من فتوى لتحريم هذه الظاهرة التي استفحلت في المجتمع العراقي، وهذا ما فعلته المرجعية الرشيدة المتمثّلة بآية الله العظمى السيد علي السيستاني “دام ظله” فقد أفتى بأنه “لا يجوز إطلاق العيارات النارية بلا مبرّر إذا كان سبباً لإرعاب الناس وأذاهم، ويتحمّل المسؤوليّة الشرعيّة كلّ من يتسبّب في موت أو قتل أو جرح على تفصيل مذكور في محلّه، وعلى العموم فهذه الظاهرة بسبب ما تستتبعه من السلبيّات منافية للعرف والأخلاق، وننصح كافّة الأخوة المؤمنين بتجنّبها، وفّق الله الجميع لما فيه الخير والصلاح”.
رب اجعل هذا بلداً آمناً
المواطن حازم وحيد (45 عاما) يبيّن أن “هذه الممارسات تعطي تلك الصورة السلبية عن البلد في كل جوانبه، فتارة تؤكد انعدام وجود النظام والقانون ومدى ضعف هيبة الدولة، وتارة أخرى تجعلنا نتأكد بأن هذا البلد يقع على حافة الهاوية بسبب انعدام الأمان وازدياد الظواهر القبلية والهمجية وانعدام ثقة الناس بالدولة لحمايتهم، ومن خلال هذا المنبر أناشد قوات الأمن الحد منها او إنهاءها لنبني بذلك دولة قوية تحتكم للقوانين لنفوز بمستقبل آمن”.