الطائر الأخضر عالق في نفق الحظر الأوروبي!
آمنة عبد النبي – المانيا/
تخيّل أنك تغادر بلادك محملاً بحقائب الاشتياق المُضنية في محاولة لاستعادة الأنفاس وتنقية المزاج من الضغوط اليومية التي “تفرم” الناس في دوامة الحياة والعمل، ولو مؤقتاً، تلاحقك في صالة المطار (بعض) محاولات الإيذاء ونرفزة الأعصاب حتى آخر محطة في بوابة الإقلاع. فمن محنة طوابير الانتظار المملة، لـ قلق انتظار الحقائب واحتمالية استبدالها،
تأتي الطامة الكبرى بتأخر موعد رحلة الخطوط الجوية العراقية المُحددة في “البوردنگ” بتوقيت زمني يختلف عن وقت الإقلاع الفعلي، والكارثة بفارق ساعات انتظار مؤذية على المصاطب المعدنية وترقب فرج الطيران الفجائي.
علماً بأن حرمان المواطن من التحليق المباشر في سماء القارة الأوروبية بسبب قرار الحظر الأوروبي جعله رحّالاً بين محطات الترانزيت المكلفة مادياً والمُجهدة بدنياً، فضلاً عن إرهاقه المسبق في أكشاك ومصاطب المطارات المتعددة.
فيتو القارة العجوز
سنوات مجتمعية غاضبة مرت على قرار حظر الطيران العراقي من التحليق في سماء أوروبا، المتمثل بـ “الخطوط الجوية العراقية” من قبل وكالة سلامة الطيران الأوروبية، فما هي الأسباب التي تمنع “الناقل الأخضر” من العودة للتحليق فوق القارة العجوز وفرد أجنحته بكل ثقة ورصانة وغرور؟
الحكاية بدأت إبان حظر الطيران العراقي الذي فرض منذ تسعينيات القرن الماضي، واستمر هذا الحظر لغاية العام 2009، فيما رفع بعد إزالة كافة المخلفات التي كانت موجودة على الطائر الأخضر، ثم عاد تسجيل الخروقات منذ العام 2012، فيما جرى حظر الطيران العراقي من التحليق في سماء أوروبا عام 2015 بشكل رسمي ونهائي من المنظمة الدولية للطيران (آيكا)، والمنظمات العالمية الأخرى الخاصة بالطيران، مثل (إياتا) و(إياسا)، وذلك لعد الالتزام بإجراءات السلامة وغيرها من الضوابط، إذ ارتكبت الخطوط الجوية العراقية بعض المخالفات التي أجبرت الاتحاد الأوروبي على منع طائراتنا من التحليق في أجوائه، وكانت وكالة سلامة الطيران الأوروبية (Easa) قد طلبت عام 2014 من الخطوط الجوية العراقية توفير معايير السلامة والأمان الأوروبية في طائراتها كما في شركات الطيران الأوروبية الأخرى، إلا أن ذلك تعذر، ولعل أبرز المسببات التي ذكرها الاتحاد الأوروبي وركز عليها هي إهمال الاتصالات خلال الرحلات، وعدم توفير معايير السلامة والأمان الأوروبية.
طوابير بطيئة وانتظار طويل
“تأخير للناس عن مواعيد الرحلة في طابور انتظار طويل، وعذابٌ كذلك لموظفي الجوازات ومندوبي المخابرات الذين يتنقلون بسرعة بين الأكشاك لحل الإشكال، هي لقطات يمر بها غالبية من يسافر على متن الخطوط الجوية العراقية من مطار بغداد، وهو ما حدث في صالة سامراء تحديداً”.. كما يروي لنا المسافر (سلام الطائي) عن تجربته قائلاً:
“الساعة الحادية عشرة والمسافرون العائدون يقفون في أربعة طوابير، ولا يوجد سوى ضابطي شرطة لختم الجوازات، وللأمانة يعملان بين جهازي كومبيوتر والطوابير تسير ببطء، لأن هناك نقصاً واضحاً في الكادر، ومعاناة المسافرين لا تنتهي، فبعد طابور ختم الجواز تبدأ معاناة انتظار الحقائب.. والخ، ثم تأتي مشكلة مسافري الطائرة الذين تأخروا لأن مواعيد الإقلاع لم تكن مضبوطة، لذلك فإنهم لم يخرجوا من المطار إلا بعد منصف الليل، لا نعرف متى ينتهي هذا الإرهاق، وهل هناك من يستطيع تغيير هذا الوضع وفك الاشتباك؟”
معايير سطحية وخطط غائبة
رجل الأعمال العراقي (عماد الموسوي) تحدث من جانبه عن ثقافة الطيران في العالم كمنظومة مرتبطة بمتطلبات السلامة والأمان الجوي قائلاً:
“المنطق الملاحي يعتمد على معايير دولية ترتبط بها جميع دول العالم دون استثناء، لذلك أنشأت دول الاتحاد الأوروبي منظمة تعنى بسلامة الطيران، وهي منظمة السلامة الأوروبية التي تدعى اختصاراً بالـ EASA ووضعت هذه المنظمة معايير محددة للسلامة لجميع سلطات الطيران في دول الاتحاد، كما أقرت أيضاً معايير محددة لجميع شركات الطيران المسجلة خارج دول الاتحاد الأوروبي للتأكد من سلامة التشغيل للطائرات العابرة لأجواء أوروبا التي تهبط في مطاراتها. وعلى إثر ذلك شرعت هذه المنظمة في العام ٢٠١٢ بإعلان معاييرها الفنية، وطلبت من جميع شركات الطيران غير الأوروبية إثبات التزامها غير المشروط بها بموجب استمارة، وحددت موعداً نهائياً لتتحول هذه المتطلبات إلى شهادة تصدرها المنظمة لشركات الطيران التي تمتثل لهذه المتطلبات، وتسمى شهادة مشغل البلد الثالث، التي لم تستطع الخطوط الجوية العراقية الإيفاء بها، لذا أدرجت –للأسف- على قائمة الحظر الأوروبي في أيار ٢٠١٥ لأول مرة، وأول الدول التي قامت بتنفيذ الحظر هي المملكة المتحدة، ومن ثم الدنمارك، ولحقت بها السويد وألمانيا، وهكذا دخلت الخطوط الجوية العراقية في نفق الحظر بسبب عدم مطابقة دليل الشركة بما هو موجود على أرض الواقع.”
حل قريب وفك حظر
مدير العلاقات والإعلام في وزارة النقل (ميثم الصافي) خصنا بحديث لـ “مجلة الشبكة” تناول الفيتو الأوروبي عن الطائر الأخضر، وماهي خطوات الوزارة لفك الحظر عن أجنحته ليطير في سماء أوروبا، قائلاً:
إن “أسباب منع دخول طائرات الخطوط الجوية العراقية “الطائر الأخضر” من الهبوط في المطارات الأوروبية تتعلق بشروط السلامة والأمان، وعدم توفر تلك الشروط في الطائرات العراقية، علماً بأن الطرفين قاما بتشكيل لجنة مشتركة لحل هذه المشكلة وضمان عودة الطائر الأخضر للتحليق في الأجواء الأوروبية قريباً، وهو ما نستبشر به خيراً إن شاء الله.”
جدير بالذكر أنه قد مرت ثماني سنوات على قرار حظر الطيران العراقي، وتحديداً الخطوط الجوية العراقية، من التحليق في سماء أوروبا، إذ لم يتمكن العراق -حتى الآن- من تحقيق الشروط التي تتيح إلغاء القرار الدولي الذي كانت له تأثيرات اقتصادية سلبية كبيرة حتماً على البلاد.