شارع العراقيين في قم.. ملامح رافدينية في مدينة إيرانية
طهران – منى عبد الحسين
الدفء فيه شبيه بدفء أروقة النجف،, الدهاليز ذاتها, تطل على أزقة ضيقة تخرج منها قهقهات الصبية وهم يجولون في تلك الأزقة،, كلٌّ له غاية, بين كرة يدحرجها وسباق ليست فيه جوائز سوى المتعة البريئة والضحكات الشفافة.
يتميّز شارع العراقيين كما يطلقون عليه بتعبيد جميل من الحجر المقرنص وتمتد الاشجار على طرفيه وتزيّنه صور تماثيل لشخصيات تاريخية إيرانية, حتى الروائح المنبعثة في ثناياه هي روائح قادمة من العراق غالبا على اختلاف مدنه، رائحة الشاي المُهيّل وخبز التنور تملأ الفضاء وتجعلك تقارن وتكاد تشك لوهلة أنك غادرت بلادك.
دراية بالمكان
ولا يمكن أن توجه السؤال لأي عراقي زائر لجمهورية إيران عن مدينة قم الا وتراه متحدثا عنها بمعرفة ودراية, فهي مدينة يسكنها الدين والتاريخ, جذورها متأصلة ضمن ماض يطرزه العلم والعلماء, ففيها حوزة علمية تعدّ من مراكز العلم المرتبط بالمذهب الشيعي ولها رتبة دينية عالية تأتي في المقام الثاني بعد مدينة النجف الاشرف, تقع هذه على بعد 157 كم جنوب العاصمة طهران، وتوجد بالمدينة العديد من المزارات الدينية وعلى رأسها ضريح السيدة فاطمة المعصومة بنت الامام الكاظم سابع أئمة الشيعة.
الزائر العراقي لمدينة قم لا يكتمل نصاب زيارته لهذه المدينة الا بزيارته لمرقد السيدة فاطمة المعصومة (ع), هذا في المقام الاول, أما المقام الثاني فزيارته لشارع معروف في مدينة قم اسمه (شارع العراقيين)، فلا تجد زائراً عراقياً الا ويعرف جميع تفاصيل هذا الشارع وما فيه من مطاعم ومحال تجارية, بل تراه ضاجاً بالإيرانيين الذي يجيدون التحدث باللغة العربية عموما وباللهجة العراقية على وجه الخصوص.
على النحو الشخصي لم أجد صعوبة في إيجاد متحدثين عن الشارع من العراقيين وذلك لكثرتهم, ابتدأت بزائر عراقي مسن يرتدي الزي العراقي الجنوبي (الدشداشة والشماغ مع العقال الجنوبي المعروف)، وسألته: لماذا تزور هذا الشارع؟ أجاب وبسرعة وبدون تلكؤ بأنَّه “لا يجد نفسه في هذا الشارع غريبا, ففيه ما يجعله يشعر بالألفة والطمأنينة”، أما أستاذ علي وهو معلم عراقي فيقول: إن “هذا الشارع الذي يُعرف بشارع العراقيين في مدينة قم، يشعر زائره العراقي بأنّه وسط بلده، فاللغة السائدة هنا هي اللغة العربية، والطعام كذلك، فهو شارع متكامل الخدمات “المحلية” من كل النواحي”.
ويتابع أستاذ علي: لا تصدقي إن قلت لك، إنّ هناك أشخاصاً انقطعت بهم السبل في بلدي ولم التقِ بهم منذ سنين، وجدتهم جالسين على أحد المصاطب في شارع “انقلاب”، او ما يعرف اليوم بــ(شارع العراقيين)”، مضيفا أنَّه “على الرغم من مسافة الشارع التي ليست بطويلة إلا أنه بات رمزا سياحيا للعراقيين القادمين من بلدهم إلى الجمهورية الإسلامية الإيرانية”.
طراز معماري شبيه بالنجف
أما خالد القادم من مدينة النجف الاشرف برفقة عائلته المكوَّنة من أربعة أفراد, فقال عندما سألته عن سبب وجوده في هذا الشارع: إن “شارع العراقيين في مدينة قم يعدّ ملتقى للذين يحطون رحالهم لغرض السياحة الدينية، وذلك لأنه يمتاز بقربه من ضريح السيدة فاطمة المعصومة وتوجد فيه العديد من المطاعم التي يجيد العاملون فيها التحدث باللغة العربية، وكذلك فنادق تتناسب مع كل الاوضاع الاقتصادية للقادمين إلى هنا”.
ويضيف خالد: إن “العراقيين يلتقون في هذه المدينة بكثرة، لأنَّها مدينة تجمع أبناء البلد الواحد وكذلك هي قريبة في طرازها المعماري من مدينة النجف العراقية وأزقتها، ولذلك يجد الزائر عمق الترابط الروحي بين المدينتين”، موضحا أنّ “شارع العراقيين في هذه المدينة يمتاز بحضور العاملين بالمجالات كافة، مثلا ما يحتاجه الزائر من تصريف للعملة والمطاعم ومكاتب السفر والشحن السريع، لا نبالغ إن قلنا إن هذا الشارع مدينة مصغّرة للعراقيين وسط إيران”.
فطور عراقي
أما أبو أحمد فله شأن آخر في هذا الشارع، فهو ضليع بإرشاد العراقيين الى أماكن السكن والتبضع، إذ يقيم في إيران وبات من أهل هذا الشارع, وعند سؤالي إياه عما يميّز هذا الشارع عن غيره من الشوارع الأخرى أجاب قائلا: “أحببت هذا الشارع لعدة أسباب منها أن رزقي في هذا الشارع والسبب الثاني أن معظم رواده من العراقيين، فلا يجعلني أشعر بغربة والسبب الثالث أنّي كوّنت شبكة علاقات مع زائرين من مختلف الدول، فهذا الشارع اسمه شارع العراقيين ولكن في الحقيقة يرتاده زوارٌ من كل الدول”.
أما حسين أبو علي الزائر العراقي الذي يسكن مدينة الكاظمية في العاصمة العراقية بغداد, فقد تابعته وهو يسأل بعض المارة عن مكان تقدم فيه (ريوكات عراقية) تحديدا (الباقلاء بالدهن الحر والكاهي والقيمر), فباغته بالسؤال, هل تجد صعوبة في إيجاد ما تريده؟ أجابني وهو يضحك ضحكة عريضة: “الحمد لله كنت أبحث عن مطعم يقدم “الريوك” فوجدته في آخر شارع العراقيين ضمن فرع منزو, فهو شبيه بمطعم بسيط في أروقة الكاظمية”.
يكاد جميع الزائرين المرتادين لهذا الشارع المعروف بـ(شارع العراقيين) يتفقون بأنّه شبيه بشوارع النجف والكاظمية وأنّهم يجدون كل ما يريدونه ويشتهونه, فالزائر فيه لا يشعر بأي غربة.