فرقة التراث والموسيقى تؤرخ الجمال أنغام سومريّة تسحر مسارح باريس

321

آمنة الموزاني – فرنسا/
ليلة عشقٍ أسطوريّة تؤرخ الجمال وتُعيد أمجاده البهيّة وتقتحمهُ بقوةٍ من بوابات التراث الأصيل وسلطنة النغم السومري الخالد، فالفن من وجهة النظر الفلسفية شكل من أشكال الوعي الاجتماعي والإنساني،
لذلك تتكفل الفنون العالمية بسردِ ثقافتها وجذرها التاريخي، وكل دولة متحضرة تسعى الى أن يكون الفن وتمثيلاته جزءاً واقعياً من ثقافاتها المتعددة، فالموسيقى كما يقول الفيلسوف “أفلاطون” تعطي روحاً للكون، وأجنحة للعقل، وطيراناً خرافياً للمخيّلة، ولا شك في أنه كان يقصد أنها تعطي روحاً لكل شيء في الحياة، لأنها بصراحة دافع سحري للتسامح وتقارب المحبّة بين الشعوب.
فقد أحيت الفرقة الوطنية للتراث الموسيقي العراقي بقيادة المايسترو علاء مجيد حفلاً فنياً كبيراً في باريس على القاعة الكبرى لمنظمة اليونسكو، بالمساهمة مع الموسيقار الكبير نصير شمة، هذا النشاط الثقافي المهم ترأسهُ وزير الثقافة والسياحة والاثار د. أحمد فكاك البدراني، والمدير العام لمنظمة اليونسكو مع د. وديع بطي ممثل العراق في اليونسكو وسفير العراق في فرنسا، فضلاً عن لفيف من السفراء العرب والأجانب.
شاركت في الكرنفال أيضاً فرقة أنكيدو للفنون الشعبية، إضافة الى رقصات من الفلكلور العراقي قدمتها مجموعة نساء سويديات رقصن وأبهرن الحضور الفرنسي على أنغام الراحل داخل حسن، ورقصات من الجنوب وكردستان العراق. كما كانت هنالك قطع موسيقية متنوعة أُهديت لشهدائنا. كذلك تخللت البرنامج ترنيمات تراثية تشرح القلوب. علماً بأن الفرقة بقيادة المايسترو علاء مجيد مثلت بهذا الحفل العراق دولياً لأول مرة وسط حضور جميع سفراء العالم والوطن العربي وشخصيات ثقافية وفنية واجتماعية مهمة. والمفرح أن قاعة الاحتفالات الكبرى في اليونسكو غصّت وامتلأت بفرنسيين وعرب وعراقيات وعراقيين من مختلف دول أوروبا والعالم، الجميع كانوا يتراقصون ويرددون أنغام كل أغنية الى درجة تشعرك بأن كل قطعة موسيقية منغمة بالروح لا بالسمع، كأنها كانت تعيدهم الى العراق وطنهم الأم وفخرهم الأبدي.
جدير بالذكر أن تقديم التراث بشكل مغاير وبتقنيات حداثوية هو مشروع تبنته الفرقة الوطنية للتراث بالرغم من حداثة عهدها، باعتبار أن المايسترو علاء مجيد استند في قيادته للفرقة الى مجموعة أفكار بدءاً من خصوصية الآلات وتنوعها وفرادتها من حيث أنها عراقية لا تتداخل معها أية آلة أخرى، مروراً بالأصوات ونوع الغناء، علماً بأن الفرقة الوطنية للتراث الموسيقي العراقي تأسست عام ٢٠١٩ وضمت عشرات الموسيقيين لمختلف الآلات الموسيقية الهوائية السومرية والبابلية والآشورية الأصول مع مغنيات ومغنين وراقصات وراقصين ومن الطالبات المتفوقات والطلبة المتفوقين والموهوبات والموهوبين من كلية الفنون الجميلة ومعهد الدراسات الموسيقية والنغمية ومن مدرسة الموسيقى والباليه.
فالموسيقى هي لغة التخاطب غير المنطوقة بين الشعوب، التي يمكن أن يفهمها جميع الناس دون ترجمة أو شفاه، لأنها باختصار فن التأليف بين الأصوات بتجانس يجعل الأذن البشرية تتقبلها وتستحسنها، ولاشك في أن الخصائص الموسيقية وتفاصيلها المتمثلة في الصوت والإيقاع والقدرة التعبيرية وقابلية هذه الإيقاعات للتطور والمزج هي ما يمنح تلك الموسيقى استمرارية صوتية ممتعة للأذن البشرية، لذلك فإن الحرص على الهوية الثقافية ضروري جداً والانتماء إلى مكان وبيئة ما وعدم الذوبان في ثقافة الآخر وتقليده هو الذي يميز موسيقى الشعوب وهويتها وفنونها وخصوصيتها.