ما أبرز مراحل البناء وتطور الإعمار في المشهد الحسيني؟

263

علي لفتة سعيد/
مرّت العتبة الحسينية في مراحل بناءٍ وإعمارٍ متعدّدة، ومع اختلاف البدايات واتفاق النهايات، فإن المشهد الحسيني هو وحده الشامخ.
فقد حوّل مدينة كربلاء الى مدينةٍ عالمية ،أو كما أطلق عليها (فاتيكان) المسلمين، لأنها وحدتهم وجعلت الأفئدة ترنو اليها في زيارات مليونية بعد مواسم الحج الكبرى.
يقول الباحث في الشأن الكربلائي (حسين أحمد الخضير) إن “الروايات اختلفت على تاريخية أول شاهد أو بناء منذ استشهاد الإمام الحسين (ع).” ويضيف أن المصادر تقول إن بني أسد هم الذين دفنوا جسده الشريف ومن معه من الشهداء وبنوا عليه المسجد.
ويقول (عبد الصاحب آل نصر) في كتابه (تاريخ كربلاء) إن “الإمام زين العابدين (ع) عندما زار القبر في السنة الثانية من واقعة الطف، أقام على القبر بناءً بسيطاً من أجل الاستدلال.” فيما يقول (محمد حسن الكليدار) في كتابه (مدينة الحسين) إن “المختار الثقفي هو أول من بنى قبةً من الآجر والجص، وجعل لها بابين، شرقية وغربية، وخصّص حولها مسجداً ليتخذ كمأوى للزائرين والوافدين.” معتبراً أن الخبر لا يوثق به ولا يعول عليه. لكنه يطرح رأياً ثالثاً لعبد الحسين الكليدار في كتابه (بغية النبلاء في تاريخ كربلاء) أن سكينة بنت الحسين (ع) أقامت بناءً على الرمس الأقدس حين اقترانها بمصعب في ولايته للكوفة عام 66هـ.
ما بعد البدايات
مثل أيّ مرقدٍ أو عتبة أو روضة، كما تعدّدت التسميات، فإن التطورات صاحبت المشهد الحسني. يقول الباحث الخضير إنه “جرى العديد من التوسعات في زمن المنصور، بعد أن أجرت زوجته أم موسى الأموال عليه، وأمرت الحسن بن راشد بأن يعيّن ابن داؤود سادناً ومشرفاً على القبر، وأن يجري عليه في كل شهر ثلاثين درهماً.” ويشير الى إنه بعدما آل الحكم إلى عبد الله المأمون ابن هارون الرشيد عام (198 هـ – 218 م) قام بتسهيل وتشجيع زيارة المشهد بسبب ميله الى العلويين، كما اهتم بتعمير القبر، فبنى عليه قبّةً شامخةً وحرماً فخماً، ما شجع الناس على التوافد إلى الزيارة، وقد بقيت عمارة المأمون قائمة الى عهد المتوكّل العباسي الذي قام بهدمه. ويذكر الباحث ما دونه المؤرخون من أن المتوكّل عام 236 هـ أمر بهدم القبر، وأمر بحرث الأرض ونثر البذور وسقيها بالماء لمنع الناس من زيارته. وحين استولى المنتصر على الخلافة بعد مقتل أبيه أمر ببناء وتشييد قبّة على القبر وركّز عليها (ميلاً) لإرشاد الزائرين إليه، لكنها لم تدم طويلاً، فبعد 25 سنة من بنائها سقطت السقيفة والقبة. ويمضي الخضير بالقول: “في عهد الخليفة المعتضد العباسي تولّى كل من الأخوين الملقبين (جالبي الحجارة) والداعي الكبير حسن بن زيد العلوي ملك طبرستان، تشييد الحرم الذي اتخذ حوله مسجداً، ثم تولى اكمال البناء أخوه محمد بعد أن أرسل المال الكافي فأنجز بناء القبة وبنى حولها مسجداً وسوراً حول الحائر، وبابين، مع إيوانين وأحاطهما بمنازل للزائرين.
زمن البويهيين وحادثة الحريق
لم تتوقف المتغيرات على الضريح أو المشهد الشريف، كما يقول الباحث، ففي عهد عضد الدولة البويهي بحدود عام (369 هـ- 980م) قام البويهيون بتعمير المرقد، فبنوا صحناً خاصاً بهم ملاصقاً للصحن من الناحيتين الشمالية الشرقية سمي بالصحن الصغير، واتخذوه مقابر لموتاهم على شكل حجرات، وكان فيه مدخلان، كل مدخل عليه منارتان، وبعد ذلك قام عمران بن شاهين ببناء المـســجـــــــــد والرواق في الجانب الغربي من الحرم.
كما يشير الخضير الى أن حريقاً حصل في المرقد عام (405 هـ) فقام الحسن بن الفضل بن سهلان بإعادة بنائه. وفي فترة حكم السلاجقة أمر السلطان (ملكشاه) بإعمار سور الحائر الحسيني عندما زار كربلاء عام (479 هـ- 1086م). ويمضي بالقول إنه في عهد الخليفة العباسي الناصر لدين الله عام (620 هـ- 1223م) أجريت بعض التعميرات، فقام وزير الخليفة مؤيد الدين محمد المقدادي بإعادة بناء القبّة وإكساء الجدران الموجودة داخل الروضة بأخشاب الساج وزينه بالحرير الموشى بالديباج. لكنه يستدرك فيقول إن “السلطان أويس قام بإعمار الروضة بطرازٍ جديد، ولأول مرةٍ جرى تصميم نظامٍ جديد عند بناء السور المحيط بالحرم بعد أن بُني على شكل جدارين بينهما فراغ بعرض (70سم) مرتبطين بالتشابك في بعض أجزائهما، وذلك للسماح بمرور الهواء بين الجدران. واستمر من بعده ولداه السلطان حسين والسلطان أحمد، فقد أمر السلطان أحمد ببناء مئذنتين على جانبي البهو الأمامي (الإيوان الكبير) تعلوان القبة، بلغ ارتفاع كل واحدة منهما (35م)، وشيد في داخلهما سُلماً حلزونياً يصل إلى المقصورة، وأكساهما بالطابوق القاشاني الأصفر. وفي عام (1283هـ) قدم الشيخ عبد الحسين الطهراني موفداً من قبل الملك ناصر شاه القاجاري، فابتاع على حساب الشاه نحو ثمانين داراً، ثم ألحقها جميعاً بالصحن من الجهتين الغربية والجنوبية، وقام بتوسيع الجهتين الغربية والشمالية من صحن أبي الفضل العباس وفرشهما بالرخام الأبيض.”
المتغيرات الحديثة
يضيف الخضير إن حركة الإعمار لم تهدأ مع أيّ عهدٍ جديد، حتى في زمن النظام السابق الذي قام في عام 1979م بإزالة الدور والفنادق والحوانيت الملاصقة بسور الصحن الحسيني والصحن العباسي، وبناء سور لكلتا الروضتين بارتفاع أحد عشر متراً غُلف بالكاشي الكربلائي، مثلما جرى هدم منطقة ما بين الحرمين لتتحول الى ساحة بعد انتفاضة عام 1991. وتستمر المتغيّرات والتطورات حتى الزمن الحالي الذي لم تقف عنده لحد الآن حركة الإعمار والتوسعات.