الحكومة والترفيه !!

151

وداعــا حســن العـاني

 بحكم الخبرة الناتجة عن تجارب متراكمة وفرتها لي عقود العمر السحيقة، توصلت إلى قناعة (علمية) بأن أفضل علاج لحالات الضجر والسأم، وربما التفكير بالانتحار، هو أن تغادر منزلك (وحيداً)، بالمعنى الواقعي لهذه المفردة، لا تصحب معك صديقاً أو حبيبة أو زوجة.
إذ إن وجودك منفرداً يعني أنك مع (مشكلتك)، وأنها تعيش في رأسك وأعماقك، وبينكما جدل ومواجهة مستمران، وبالتالي لابد من أن الضغط النفسي الذي تعاني منه سيظهر إلى الخارج، وسوف تشعر بقدر كبير من الراحة!!
تحت هذا الوضع، وأمام خسارة عدد من أعز اصدقائي – على الرغم من أنهم على قيد الحياة، ويتمتعون بأفضل متطلبات الراحة والعافية والنغنغة – قادتني خبرتي إلى شارع السعدون، ودخلت – لا على التعيين – فرعاً من فروعه، وفوجئت بوجود بيت رفعوا على واجهته (قاعة الترفيه المستقلة)، ولم أجد ضيراً في الدخول، وقد فوجئت بأن الأمر هنا لا يجري على غرار القاعات الأخرى، فالجلسة الواحدة لا تتضمن موضوعاً محدداً.. فكل شخص من حقه أن يطلب الكلام ويؤذن له، على شرط ألا يستمر كلامه أكثر من 7 دقائق، ويحق للآخرين الاستفسار أو الاعتراض أو التأييد أو السخرية أو التصفيق.. الخ، على ألا تزيد المدة على 10 دقائق، وهكذا ارتقى المنصة أول المتحدثين وأشار إلى الخطأ الشائع – على حد تعبيره – في قولهم (القانون لا يحمي المغفلين)، وتساءل ساخراً [من يحمي البسيط إذن والساذج والمضحوك عليه… أُمي تحميه ؟!] وعلق أحدهم [لا.. خالتك تحميه!!] وارتجت القاعة من الضحك.. وتحدث الثاني عن قول المتنبي وهو يمدح سيف الدولة الحمداني، وأن الحمداني هو أكثر إنسان احتضن المتنبي وقرّبه وكرّمه، ثم قرأ البيت الشعري [يا أعدل الناس إلا في معاملتي] وخاطب الحضور [تصوروا أن الشاعر يمدح الأمير سيف الدولة في الظاهر ويشتمه في الباطن.. يصفه بأعدل الناس، لكن أعدل الناس ليس عادلاً، بدليل قوله: إلا في معاملتي.. إذن فقد الحمداني عدله.. وتتضح شتيمته في عجز البيت – فيك الخصام وأنت الخصم والحكم – فأي حاكم عادل يجعل من نفسه حاكماً وخصماً].. بعض الحاضرين وجه له شتائم لا تصلح للنشر، شخص ثالث قال بدون مقدمات [إن كلمة رجل تجمع على رجال، بينما تجمع كلمة امرأة على نساء ونسوة ونسوان.. بالله عليكم أين هي المظلومية ؟!]، إحداهن علقت [لا يا بومه.. على هاي حاسدنا؟!] وحين جاء دوري قلت [إذا كان من الصحيح أنني لا أعرف سبباً واضحاً لشعوري بالإحباط والكآبة، ولكن من الصحيح أن موقفي من الحكومة، وموقف الحكومة مني هو..]، واستغربت لأن الجميع غادروا القاعة حتى المشرف عليها، مع أنني كنت هيأت مدائح للحكومة لا تصدر حتى من أنصارها ومؤيديها، لقناعتي بأن سلامة الرأس والمصير هو أن تمدح الحكومة في العلن، وتأخذ راحتكَ معها في السر.. ترى هل كان الحضور (خايفين على البعد)، أو أن مفردة (الترفيه) لا تنسجم أبداً مع مفردة (الحكومة)؟!