ما بين الأوبئة والحروب هل تتنبأ السينما العالمية بالمستقبل؟

361

مجلة الشبكة/

طالما أثير هذا السؤال بعد سلسلة من الأفلام التي تحدثت عن الكوارث الطبيعية او انتشار الفيروسات الفتاكة، وأفلام (حرب النجوم) و(الذهاب الى المستقبل). في عام 1902استوحى المخرج والمؤلف (جورج ميلييس) من رواية (جول فيرن) (من الارض الى القمر) فيلماً للخيال العلمي يتحدث عن رحلة مركبة فضائية الى القمر في تنبؤ عما سيحصل في المستقبل، لتتحقق فيما بعد أول رحلة حقيقية الى القمر في عام 1969.
لم يقف الأمر عند هذا الحد، بل أنتجت أفلام عدة تنبأت بالأعاصير والبراكين وجائحة كورونا، وحتى أفلام الغزو العسكري لبلاد أخرى. وغالباً ما يحظى صناع السينما بنظرة استباقية من خلال أعمالهم، يحاولون فيها سبر أغوار المستقبل عبر أعمال تتبنى وجهة نظر الواقع، لكن الغريب في الأمر أن يكون التنبؤ بأحداث قبل حدوثها بسنوات طويلة. كل تلك الحوادث كانت قد أُلفت مسبقاً في أعوام خلت، لتتحول فيما بعد الى أفلام سينمائية وتتحول تلك الرؤى الى حقيقة بعد فترة طويلة.
أفلام الفايروسات
بينما كان العالم يعيش في ظل جائحة كورونا التي تطورت بشكل مذهل، استرجع الجمهور ذاكرته وقارن ما يحدث في فيلم الإثارة الأمريكي (العدوى) لعام 2011 الذي زعم البعض أنه تنبأ بكوفيد-19. الفيلم من إخراج (ستيفن سودربيرغ) وكتبه (سكوت زي بيرنز)، ويظهر الفيلم انتشار فيروس ينتقل عندما يلمس المرضى الأسطح ويتركون الفيروس وراءهم بحيث يمكن للآخرين التقاطه. وبعد ذلك، تأتي المحاولات المحمومة التي يبذلها مسؤولو الصحة العامة لتحديد المرض واحتوائه، والفوضى التي تتكشف وسط الوباء،الكاتبة (لوري غاريت) التي عملت كمستشارة في الفيلم، لأنها كتبت كتاباً بعنوان (الطاعون القادم) عام 1994 وأبلغت عن أوبئة متعددة. وصفت غاريت حينها فيلم (العدوى) بأنه جزء من الخيال وجزء من الواقع، وممكن تماماً.
معدٍ ومميت
الفيلم الآخر هو فيلم (كارثة طبية) إنتاج أمريكي عام 1995 من إخراج (وولفغانغ بيترسن) وكتبه (لورانس دوريت وروبرت روي بول). الفيلم من بطولة (داستن هوفمان، ورينيه روسو، ومورجان فريمان، ودونالد ساذرلاند) ويشاركهم البطولة (كوبا جودينج جونيور، وكيفن سبيسي، وباتريك ديمبسي). يركز الفيلم على تفشي فيروس (موتابا)، وهو فيروس خيالي يشبه فيروس الإيبولا والفيروسات المخاطية، في زائير، ثم في وقت لاحق في بلدة صغيرة في كاليفورنيا. تدور أحداث الفيلم في المقام الأول في معهد الأبحاث الطبية للأمراض المعدية التابع للجيش الأمريكي ومراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، بالإضافة إلى مدينة (سيدار كريك) الخيالية، كاليفورنيا. تتكهن مؤامرة التفشي بالمدى الذي يمكن أن تذهب إليه الوكالات العسكرية والمدنية لاحتواء انتشار مرض معدٍ ومميت. صدر الفيلم في 10 مارس 1995، وحقق نجاحاً كبيراً في شباك التذاكر. وصادف أن حدث تفشٍ حقيقي لفيروس الإيبولا في زائير عندما جرى إصدار الفيلم. وعادت شعبية الفيلم إلى الظهور خلال جائحة كوفيد-19، حين احتل المرتبة الرابعة بين الأفلام الأكثر مشاهدة في الولايات المتحدة.
حادثة وتهم
لم يتوقف الأمر عند توقع الأوبئة أو اجتياح الفيروسات للعالم، بل إن هناك توقعات سياسية كبيرة حصلت على أرض الواقع بعدما ذكرت في أفلام أنتجت قبل سنوات من حادثة تفجير برج التجارة العالمي. فيلم (قبلة الوداع) هو انتاج أمريكي في العام 1995 ذكر في أحد مشاهده أنهم بالفعل دمروا برج التجارة نفسه عام 1993 أي قبل طرح الفيلم بثلاث سنوات، وقبل العملية نفسها بثمانية أعوام، وأضاف أحد الممثلين أنهم “بقتل 4000 شخص وإلصاق التهمة بالمسلمين سيتمكنون من الحصول على ميزانية ضخمة من الكونغرس.” وهي ذات وجهة النظر التي تبناها فيما بعد عدد من الكتاب الأمريكيين.
غزو الكويت
في فيلم (أفضل دفاع – Best Defense) الذي أنتج عام 1984 لنا وقفة عن قرب مع حقائق هذا الفيلم: غزو الكويت. تحدث عنه كثيرون، بسيناريو معد مسبقاً. اسمه (الدفاع الأفضل)، تحدث عن غزو ومهاجمة الجيش العراقي الكويت، يظهر القوات العراقية وهي تصب حممها على الكويت، وقد صور الفيلم وعرض سنة 1984. في الحقيقة أن الفيلم مبني على معلومات وردت في كتاب ألفه (روبرت غروسباتش) عام 1975 عن تورط الولايات المتحدة في الحرب الفيتنامية وعنوانه (طرق سهلة وصعبة للخروج). لكن المخرج (ويلارد هويك) قام بتغيير الموضوع إلى احتلال الجيش العراقي لدولة الكويت، وتحويل محتوى الكتاب الذي صدر عام 1975متحدثاً عن غزو أمريكا لفيتنام إلى فيلم في عام 1984 ليتحدث عن غزو القوات العراقية للكويت الذي لم يقع إلا في عام 1990، ما يجلب الشك والدهشة والانبهار، ولاسيما من حيث متابعة التفاصيل بمنتهى الدقة، مثل ما حدث من سلب ونهب لما موجود في الكويت، وطلب الكويت مساعدة ودعم القوات الأمريكية. فمن المستحيل أن يكون هناك من له قدرة علم الغيب، لا بتفاصيله الدقيقة وتفرعاته بل وحتى من حيث عموميته، ليرسم هذه الصور الدقيقة للأحداث المثيرة التي رافقت غزو الكويت. التوقعات قد تنجح بشكل بسيط جداً أو جزئياً محدوداً، وقد يحدث العكس ويقع الانقلاب الكلي فتأتي النتائج مخيبة للآمال ومخالفة كلياً للخطط المرسومة.
الفيلم صور دخول الجيش العراقي الى الكويت، وهو من بطولة (ادي مورفي)، الذي يمثل دور قائد الجيش الأمريكي في الكويت، الذي يدرب الجنود الكويتيين الذين صورهم الفيلم على أنهم قليلو الخبرة وأسندت أدوارهم الى ممثلين اجانب ليجعل منهم أبطالاً في القتال، كما يشكو القائد الأمريكي من قذارة روث الجمال كأحد أساليب التحقير. هذا الفيلم عايشه صدام في صحوه ومنامه حتى اقتنع بجر جيشه لغزو الكويت.