حقول “التوليب” في هولندا تجارة ناعمة وعلاج نفسي خلاب

261

هولندا / آمنة عبد النبي/

كأنما صبية فاتنة بفستان سواريه أسود، يتمايل التوليب فوق حقول (كيوكنهوف) بدلعٍ غجري أخاذ، وأحياناً أُخرى يتاخم (اللاڤندر) والزنابق الساحرة على هيئةِ نهر زهري هارب من الجنة لشدةِ سحره وجاذبيته، علماً بأن الشغف بالزهور الجميلة لا يتعلق فقط بشكلها المميز وأناقتها اللونية الزاهية، وإنما هي مصدر اقتصادي مهم في السياحة والتسويق وأيضاً منظرها كفيل بتعديل المزاج وبث التفاؤل والإيجابية.

هولندا بلد الزهور الخلابة وموطن التوليب والزنابق، ولاسيما في بلدة (ليا) التي تضمّ محميّة (كيوكينهوف) الزهرية وفي داخلها أفخر وأندر الأنواع، باعتبارها جنة أوربا وأكبر وأجمل حدائق الأزهار في العالم، حيث تقع بالقرب من أمستردام العاصمة، وتجري فيها زراعة سبعة ملايين زهرة كل عام لتفتح بذلك أحضانها قبل أبوابها لزوار العالم من كل مكان في الحدث السنوي الكبير الذي يُعرض فيه تاريخ زراعة التوليب وأهميته في الثقافة الهولندية وثروة البلاد.
مزاج رائق وتخفيف الضغوط
المُغترب العراقي (منصور البدري)، أحد سكان مدينة أمستردام، اعتبر أن تلك المساحات الملونة كفيلة بخلق مزاج رائق يخفف الضغوط، إذ قال بأريحية:
“بصراحة الغربة خانقة بكل حالاتها، والنظر في المساحات الطبيعية الخضراء له أثره الإيجابي على مزاج الإنسان، بل والتخفيف من الضغوط بعد يوم عمل مجهد، لذلك، بعيداً عن المهرجانات الزهرية، لكنك اذا دخلت أي متجر فسوف تجدين قسماً خاصاً بالزهور يكون عادة في بداية المكان لكي يمنح القادم طاقته الإيجابية، قطعاً هي متعة هائلة أن تقضي وقتاً بشكل يومي في بيئة مليئة بالزراعة حتى لو كانت غرفتك، لأن لها تأثيراً ملحوظاً على الحالة النفسية للإنسان ولو لساعات قليلة، كما تقول تلك الدراسات، ولك أن تتخيلي الأثر النفسي للاتصال بالطبيعة، حين تلمسين نبتة او تنظرين اليها وتهذبين أطرافها، أو تدسين بذوراً في التربة، أو تعملين على غرس مجموعة من الزهور والنباتات.”
علاج نفسي ومصدر تجاري
أما الشيف (سجى محمد الجنابي)، المقيمة في مدينة روتردام، التي كانت تحمل باقة من التوليب والزنابق، فقد اعتبرت أن الورد تعبير دقيق عن الذوق والتفاؤل، مكملة بابتسامة:
“لا أبالغ اذا قلت لكِ أنه ليس هنالك بيت في هولندا وأوربا ككل يخلو من النباتات، باعتبارها من أنجح طرق العلاج النفسي الفعالة ضد اضطراب القلق والاكتئاب، اللذين يكثران في أوربا بشكل عام، فممارسة الزراعة والعناية بالورود والنباتات ضرورة صحية، فالورد واقتناؤه ثقافة في الدول المتقدمة، وعادة مايباع في محال واماكن بيع الفواكه والخضار والشوارع، كذلك تراهم في الصباح الباكر يتسوقونها مع الخضار لبث روح الجمال والتفاؤل على موائد الطعام والصالات والدوائر وأماكن العمل، علماً بأن الشغف هنا بالزهور الجميلة لا يتعلق فقط بشكلها المميز وألوانها الزاهية فحسب، لكنها تعتبر مصدراً للثروة ضمن شبكات تجارية واسعة منذ قرون، وكان يُنظر إليها على أنها جميلة تعبر عن الذوق والثقافة الرفيعة والثراء أيضاً.”
الأمل وتنشيط الدورة الدموية
في حين اشارت (حنان النجم)، السائحة العراقية القادمة من ألمانيا الى أمستردام مع عائلتها الى صمت البيوت الخالية من الأزهار، قائلة:
“قبل أن أغادر العراق، كنت احترم وأقدس البيوت التي فيها حديقة، أشعر أن للأزهار ثقافة جمالية خاصة بسكانها، لابد من أن يتربى عليها الناس جميعاً، حالها حال اللوحات النادرة والتحف الثمينة، فهي الهواية الوحيدة التي تجدد خلايا الجسم وتنشط الدورة الدموية وتعطي الأمل. لذلك، وبعد سنوات الغربة، صرت أحرص كثيراً أنا وأسرتي على الاحتفال هنا بيوم التوليب السنوي، الذي يجري فيه عرض أنواع التوليب، وهو تقليد سنوي يسمح للزوار بالحصول عليه مجاناً، طبعاً على عكس حديقة كيكنهوف، فالدخول يكون ببطاقة ولا يسمح بقطف الأزهار هناك، بل توجد محال ضمن الحديقة تبيع باقات الأزهار.”