رحيله ترند عراقي رصين وسط ترندات التهريج كوكب.. الذي خالف في حياته وموته منطق (الهبّة الطارئة)
حسام السراي/
أحدثَ رحيل الفنّان كوكب حمزة، حالة ربما تكون نادرة لم يحظَ بها إلا قليلون (مظفر النواب، وفالح عبد الجبار، وأسماء أخرى)، وهي ردود الأفعال والاستدعاء المُعتبر لقيمة ورسوخ المنجز الشخصي وما يرتبط بالحنين الى ماضٍ توهّجت فيه الحركة الثقافية والفنية قبل انكفائها وخضوعها في حرب (الثمانينيات).
منذ رحيله، وكوكب اسم (ترند)، صورهُ وسيرته شغلا صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، نعيه متواتر، عراقياً وعربياً، ومن أجيال متعددة.
كوكب في رحيله بصمَ حقيقة ما يملكه أشخاص في الحياة، من قوة التأثير الشخصي والحضور في الذاكرة، حتى إن غابوا، وهو بهذا خالف منطق (الهَبّة الطارئة) التي تحدث عندنا في وسطنا الثقافي والإعلامي، حينما تجد فورة (إيهاميّة) من تسليط الضوء على فكرة أو اسم، وبعد التدقيق يتبين أن الموضوع ليس أكثر من حملة أو تحالف في الكواليس بين أصدقاء قرروا دعم صديق لهم في حفلة مدائح ترد لاحقاً بين الأطراف المتحالفين، وخالف أيضاً منطق (الكثرة والإكثار من الظهور) الذي يبث به بعض المشتغلين في الثقافة والفن عن أنفسهم. كوكب وهو غائب في عالم آخر، في الأعالي، كما رأيناه في دمشق، كان قليل الكلام، صعباً في التصريح، حاداً في الإيجاز والتقييم، وفي بغداد نديماً لأصدقاء محدودين يكتفي بهم ويغادر دائماً. سيرته المُستعادة كانت دليلاً على أن الاجتهاد الشخصي والإبداع الذاتي أبقى وأغنى من آلاف الصور وحفلات الترويج الخاوية، إنه بالضبط مثل من صنع جواهر معدودة وترك زينتها للتاريخ..
سيقول قائل: إن هذا (التصدر الكوكبي) من بقايا الرافعة الحزبية. كلا، فهذه الرافعة كانت ساحة للانطلاق ومعتقداً شخصياً فقط، موهبة كوكب وصدقه الفني واعتزاله المبدئي، هي من أبقته قوياً ومحافظاً على ما قدمه؛ فهو ليس من المتوفرين دائماً أو المتاحين لأنْ يكونوا على مقاعد الانتظار، كما لم ينتظر أحداً وبضمنهم حتى رافعته القديمة.
نعي سيتا هاكوبيان لكوكب أفصح عن تواشج روحي بين اثنين من المبدعين، وعن براءة التعاملات ورُقيها بين المشتغلين في الفن والثقافة آنذاك، وهي تنعته بـ (أعزّ أخ لم تلده أمي)، وفي النتيجة يشجعنا هذا النعي من (سيتا البصرة) على الاعتراف بأننا لم تعد لدينا تلك الجماعات الفنية والثقافية (المتضامنة بلا مقابل) و(الصادقة بلا غش)، بعضها مع بعض، إنما لكل منا جزيرته وولعه بأنْ يكون فرداً يرتاب من أي عمل جماعي قد يكون متعباً لـ (الأنا) واسمه ليس فيه بمرتبة أولى.
في خضم أشهر من (ترندات) هزيلة ومحبطة ومخيبة، خاضعة للتهريج والركض وراء أخبار الأجساد وما تركبه من سيارات فخمة، يؤكد اسم كوكب حمزة أن معادلة الرصانة حاضرة ومتقدمة مهما كان مستوى التراجع الاجتماعي ومؤثرات التجهيل لدى الجمهور، التي يسهم فيها بعض فواعل النخبة أيضاً.