مرقد سلمان المحمدي.. ثاني أكبر المزارات بعد العتبة الكاظمية المقدسة
بغداد / عامر جليل إبراهيم
تصوير/ إعلام الأمانة العامة
للمزارات الشيعية
قال عنه النبي محمد (ص) “”الجنة تشتاق إلى ثلاثة: علي وعمار وسلمان”.” وفي يوم الأحزاب، لما تحاجج المهاجرون والأنصار في سلمان، كل منهم يقول: “سلمان منا”، قال النبي: “سلمان منا أهل البيت”. إنه (روزبة بن خشبوذان)، أو سلمان المحمدي، المولود في قرية (جي) بأصفهان.
يقع مرقده في الجنوب الشرقي لمدينة بغداد، إذ يبعد عن مركزها بحدود 35كم، ويعد قضاء المدائن الذي يحتضن المزار مدخل مدينة بغداد للقادمين من مدن الجنوب البصرة والعمارة والناصرية وواسط.
يأتي هذا المرقد في المرتبة الثانية من حيث الأهمية بعد العتبة الكاظمية المقدسة، وقد جاءت هذه الأهمية لما لصاحبها من علو مقام ديني ودرجة رفيعة والقرب من النبي وآل بيته (عليهم الصلاة السلام).
مجلة “الشبكة العراقية” زارت هذا المقام ضمن جولاتها المستمرة للتعريف بالسياحة الدينية في العراق بالتعاون مع الأمانة العامة للمزارات الشيعية، حيث التقت السيد الحاج (حسن هادي الجبوري) الذي حدثنا قائلاً: “يعود نسب سلمان المحمدي الى سلالة الملوك، وكان يعرف بالفارسية بـ (روزبة). والده كان من كبار وجهاء بلاد فارس في أصفهان، وحسب التسلسل الإداري في بلاد فارس، فإن والده كان من الطبقة الثانية بعد الملوك، وتسمى طبقة (الأساورة) التي كانت تدير كل شؤون الدولة الساسانية آنذاك، ويرجع نسبه الى الملك (منوشوهر) أحد مؤسسي الدولة الساسانية.”
ويمضي الأمين الخاص بالقول: “وفاة سلمان معلومة، فقد استقر المؤرخون على أنها كانت في اليوم الثامن من شهر صفر سنة 35 او 36 هـ، لكن تاريخ ولادته غير معلوم.”
حياته:
يروي السيد الأمين الخاص عن حياة سلمان المحمدي بالقول: “في يوم من الأيام سمع سلمان صوت الكنائس تؤذن بهذا الأذان (أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن عيسى روح الله وأشهد أن محمداً رسول الله)، وما إن سمع سلمان صوت هذا الأذان، حتى دخل اسم النبي (ص) في قلبه وكذلك اسم النبي عيسى (ع)، فجاء الى هذه الكنيسة وسأل وتفحص هذا المكان، واستدل من خلال المعلومات التي أخذها من الراهب في هذه الكنيسة على أن هناك تعاليم يعيشها في معبده الذي يديره والده في المملكة العظيمة. وبالفعل تحقق وتحرك ذهنه ومشاعره وقلبه الى هذه الديانة، فقص الكلام وروى ما شاهده في الكنيسة على والده، فخاف عليه وشدد عليه الحراسة والطوق. لكنه بعد فترة استطاع أن يهرب من هذا الطوق، فينتقل من بلاد فارس الى تركيا ثم الشام فالعراق، وتحديداً في الموصل، ليتنقل هناك من قس الى آخر محاولاً أن يعرف الحقيقة، وكان كل قس يلتقي به يوصي سلمان بأن ينتقل الى القس الآخر فيسمونه باسمه، وأخيراً انتقل الى قس معروف هو الراهب (بحيراء)، الذي كان في بلاد الشام، وبعدما ثبت له بأنه آخر قس، ذهب الى الجزيرة العربية مع مجموعة من أصحاب التجارة، التحق بهم وباع كل ما لديه من متاع واشترى بثمنه حريته، لكن هذه القافلة غدرت به، فباعوه عبداً الى تاجر يهودي، وجاء به هذا التاجر الى يثرب واستقر عنده، إذ كان يعمل خادماً وعبداً، وتحمل كل هذا العناء من أجل ان يصل الى النبي محمد (ص). وعند دخول النبي (ص) في هجرته الى المدينة المنورة، كان سلمان في المدينة يترقب وينتظر، وتحقق له اللقاء مع النبي (ص)، وكان يعلم أن النبي (ص) لديه بعض العلامات التي عرفها من القساوسة والرهبان. وبالفعل استقر في المدينة على أن يؤمن النبي (ص) شراءه فاشتراه بمبلغ يعادل ثمن 400 نخلة، إذ إن ذلك اليهودي طلب منه أن يزرع له 400 نخلة من ألوان مختلفة.، فكان عتق سلمان على يد النبي (ص).”
مراحل العمارة:
يشرح الأمين الخاص للمزار العمارة التي حصلت للمرقد فيقول: “هناك فقدان لبعض الحقب الزمنية، نحن الآن أمام القبة الموجودة على ضريح سلمان المحمدي، هذه القبة تعود ربما الى 150 سنة أو أكثر من ذلك، وهي أقدم ما موجود في الضريح الشريف، أما بقية المرافق الأخرى، ومنها الصحنان الأمامي والخلفي والأواوين فقد جرى بناؤها حديثاً في عام 2009 وكانت هناك قبلها أواوين قديمة بنيت قبل 50 عاماً.”
تفاصيل المزار:
ثم التقينا المهندس (عبد الرزاق حمد الشهيلي)، مسؤول إعمار مزار سلمان المحمدي (ع)، الذي شرح لنا تفاصيل المزار قائلاً: “المساحة الكلية (الحالية +التوسعة المستقبلية) تبلغ خمسين ألف متر مربع، أما المساحة الحالية للصحن فتبلغ أثني عشر الفاً وخمسمئة متر مربع، والمساحة الكلية للأضرحة مع المسجد ألفاً وثمانمئة متر مربع، أما المساحة الداخلية لمزار سلمان المحمدي (ع)، التي تشمل مكان زيارة الرجال والنساء فهي بحدود ثمانين متراً مربعاً، أما البناء الداخلي للمزارات فإن الجدران الخارجية مغلقة بالطابوق (جف قيم) وأما الداخل فهو عبارة عن نقوش مغربية للجدران والقباب.
ترتفع الجدران بحدود 3 أمتار، وهي مغلفة بالمرمر، تحيطها مجموعة من الأواوين الخارجية توشك على الإنجاز، ومضيف كبير يسع بحدود (750) شخصاً، وشباك الضريح بقياس 325× 25 سم بارتفاع 3م وهو مصنوع من الذهب الخالص والفضة، وهنالك مشروع تصاميم جديدة للمزار تغطي جميع المساحة الحالية. ومن المؤمل أن يجري البدء بالمشروع بعد إكمال مصادقة التصاميم من قبل دوائر الوقف الشيعي / الأمانة العامة للمزارات الشيعية.”
النشاطات الثقافية
وأثناء تجوالنا في المرقد الشريف، التقينا السيد (عامر محمود العقابي)، نائب الأمين الخاص للمزار الشريف الذي حدثنا قائلاً: “هناك نشاطات متنوعة تقام في المزار، منها ثقافية وقرآنية وفكرية ومؤتمرات وندوات على مدار السنة، مع إقامة مجالس العزاء في ذكرى استشهاد الأئمة الاطهار عليهم السلام.”
وعن الزائرين يقول: “الزيارة في المزار الشريف تجري على مدار الأسبوع، وهناك زيارة خاصة كبيرة في ذكرى وفاة العبد الصالح سلمان المحمدي في (8 صفر)، وليست هناك إحصائية دقيقة لعدد الزائرين سنوياً لكننا نعتقد أنها بحدود خمسة ملايين من شتى دول العالم الإسلامي.”