الراحل عبد الستار البصري.. 6 عقود من العطاء الثر

297

الشبكة العراقية
في لحظة معينة، تكتفي الحياة بما قدمته لفنان ما، وكم يكون مؤلماً المشهد الأخير في حياة الفنان الذين أثرى الساحة الفنية بأعمال مميزة تبقى راسخة في الذاكرة.

عبد الستار البصري.. فنان أثر في الوجدان ببديع أعماله، ليرحل، لكن ما تركه من إرث فني سيبقى خالداً. رحل البصري دون ضجيج وهو يصارع المرض في زمن لا عزاء فيه ولا جنازة. بين جدران غرفته في أحد المستشفيات، تشخص عينا ذلك النجم إلى تاريخ فني كتبت حروفه بالتواضع وحب المهنة، ظل يصارع المرض، ومع كل شهيق وزفير ترنو عيناه الى أعماله الفنية منذ أكثر من 50 عاماً. رحل البصري وترك خلفه محبيه الذين رسخت في ذاكرتهم صورة ذلك الفنان الإنسان. يصفه الفنانون بأنه الأستاذ والمحبّ الطيب والمسامح والأخ الكبير، وفي رقدته الأخيرة قالوا له نم قرير العين واستقبلنا نحن القادمين بابتسامتك المعهودة.
تحتفظ ذاكرة الفن العراقي ببريق اسم الفنان عبد الستار البصري، أحد رواد فن التمثيل والمسرح في العراق، أولئك المميزين الذين حفروا وجودهم بقوة في الذاكرة وتركوا ظلالهم على خشبة المسرح، مثلما ترك أعمالاً تلفزيونية وسينمائية سجلت له شرف السبق في تاريخ الحركة الفنية.
بين القانون والفن
ولد البصري في 22 شباط 1947 في البصرة بمحلة البجاري في العشار. أكمل دراسته الابتدائية والمتوسطة والإعدادية ودرس القانون فيها، غادر البصرة وتوجه إلى بغداد ليلتحق بكلية الفنون الجميلة – جامعة بغداد عام 1967 ويتخرج فيها في العام 1971 قسم المسرح، ليلتحق بالفرقة الوطنية للتمثيل عام 1974، حيث قدم العديد من الأعمال في المسرح السينما والتلفزيون. كانت بدايته المسرحية في العام 1962 حين شارك في مسرحية (القلب الأرعن) تأليف (جان باترك)، ثم مسرحية (معرض الجثث) لكاتبتها الأميركية (ساد اكوان)، وتوالت أعماله في مسرحيات (أبو العلاء المعري)، و(حال الدنيا)، و(تحت الصفر)، و(حكايات العطش والناس)، وآخرها (اقرأ باسم ربك).
اما في التلفزيون، فقد بدأ مشواره مذيعاً للنشرات الإخبارية في سبعينيات القرن الماضي، ثم تحول إلى التمثيل وحقق فيه حضوراً بارزاً. ومن أبرز ادواره في الدراما: (جرف الملح)، و(الأماني الضالة)، و(ذئاب الليل). كما قام بتجسيد شخصية (عبود) الكوميدية في مسلسل (عالم الست وهيبة). حصل على العديد من الجوائز عن أعماله في المسرح والتلفزيون داخل العراق وخارجه، ويعد البصري أول ممثل عراقي يحصل على ثلاث جوائز دولية في ثلاثة أعوام متتالية، إذ حصل على لقب (أفضل ممثل) في مهرجان القاهرة الدولي عام 2008، كما حصل على نفس اللقب في مهرجان قرطاج الدولي عام 2009، ثم في مهرجان (أرفود) الدولي الثالث في المغرب عام 2010.
الوداع الأخير
يؤكد البصري على حقيقة مهمة، هي أن “النص الجيد يجدد خلايا الفنان، وأن العمل المكتمل ممكن أن يعيد الفنان إلى أكثر من عشرين عاماً من الطموح والنشاط، وأن غياب الفنان على خشبة المسرح يقتل فيه أشياء كثيرة ويشعره وكأنه في غيبوبة. إذ إن العمل الجيد يحفّز لديّ كل مواهبي وطاقاتي ويستفز في داخلي كل آليات الممثل الشاب الذي يؤدي دور عجوز، وليس العكس.”
ومن سخرية القدر أن عبد الستار البصري قد اضطر -في يوم ما- الى العمل بائعاً متجولاً في بغداد في تسعينيات القرن الماضي لصعوبة الظروف آنذاك.
توفي عبد الستار البصري يوم 12 أيار 2024 في بغداد عن عمر ناهز الـ 77 عاماً.