المخرج والإعلامي ناصر حسن: أحلم بتشييد مدينة (لاسة) السينمائية

222

حوار/ مصطفى الشيخ – وإيفان ناصر

يعيش الفنان ناصر حسن، المولود في محافظة كركوك عام 1947، بعد تقاعده، في مزرعته التي وجد نفسه فيها بعيداً عن حياة المدينة بعد عقود قضاها في العمل الإعلامي والفني.

أسس وشارك في الكثير من المشاريع المهمة مثل فرقة (اتحاد الفنانين العراقيين) التي قدمت في عام 1968 باكورة أعمالها: مسرحية (طنطل)، من تأليف طه سالم وإخراج محسن العزاوي، وفرقة مسرح الرافدين للتمثيل عام 1969، وجمعية الآداب والفنون الكُردية عام 1970 في بغداد، كما شارك في العشرات من المهرجانات داخل العراق وخارجه، وأخرج مئات الأعمال الإذاعية والتلفزيونية والسينمائية، ما بين أغنية وبرنامج ومسلسل وفيلم.
“الشبكة العراقية” أجرت هذا الحوار معه من أجل تسليط الضوء على تجربته الإبداعية التي استمرت لأكثر من ستين عاماً:
¶ كيف كانت الأجواء الاجتماعية والعائلية في مدينة خانقين؟
– لقد ولدتُ في مدينة الطوائف والقبائل والعشائر المختلفة والنموذج الحي للتعايش السلمي، في الرابع من آب لسنة 1947، قرب مزار سيد محمود بن موسى الكاظم، الذي يعرف عند أهالي المدينة باسم (باوة محمود). نشأت على حب الفن ومشاهدة الأفلام السينمائية في مدينتي التي كانت لا تخلو من دور العرض الصيفية والشتوية، واستطعت في سنٍ مبكرة أن اكتشف عالم الفن السابع وأطور هوايتي.
¶ أنت من عائلة محافظة، كيف استطعت النفاذ من قيودها؟
– والدي (حسن شل) كان من الشخصيات المعروفة والمحافظة في المدينة، لديه أملاك كثيرة ويعمل في التجارة داخل العراق وخارجه، وعلى الأخص مع إيران لكونها الأقرب لنا، لذا فإنه لم يكن يحبذ فكرة أن ولديه (جعفر وناصر) يرغبان بمغادرة مدينتهم خانقين والتوجه إلى بغداد لدراسة الفن، لكن في النهاية حققنا -نحن الجيل الجديد آنذاك- رغبتنا فسافرت إلى العاصمة بعد أن أكملت دراستي المتوسطة في خانقين، وقررت اللحاق بأخي جعفر والدراسة في معهد الفنون الجميلة في بغداد – قسم التمثيل والإخراج المسرحي، رغم معارضة أخي الذي كان يرغب في أن أدرس الموسيقى لكي أصبح مثله عازفاً على آلة العود.
¶ كيف كانت بداياتك في بغداد والتقدم للدراسة في معهد الفنون الجميلة؟
– شهدت بغداد في ستينيات القرن الماضي حقبة من التغيرات الكبيرة في مجال السياسة والثقافة والفن والأفكار ذات النزعات الحديثة، وصلت في الساعة التاسعة صباحاً إلى مبنى معهد الفنون الجميلة الواقع في منطقة الكسرة، وأجريت أول مقابلة واختبار لي في منتصف شهر أيلول من سنة 1966، من قبل أساتذة، هم: (إبراهيم جلال، والحاج ناجي الراوي، وجعفر علي، وجعفر السعدي، وحميد محمد جواد، ومحمد أمين الجلبي)، وبعد عدة أسئلة متنوعة، منها فنية وفكرية، وتأدية مشهد من عمل لشكسبير، قبلت في المعهد.
• كيف كانت بدايات دخولك مبنى الإذاعة والتلفزيون والعمل فيهما؟
– كنت أنظر دوماً بشغف كبير إلى التلفزيون، وكان لقائي مع المخرج والفنان الشاب آنذاك عزيز كريم هو المحرك لذلك الموضوع، الذي نصحني بدخول مجال الإذاعة القريبة جداً من التلفزيون، ثم بدأت العمل في الستوديو كمخرج لبرنامج ثقافي وفني يستضيف كبار المثقفين والفنانين الكُرد في الإذاعة الكُردية، التي كان يديرها آنذاك (عبد الإله موسى)، وفي أحد الأيام تهيأت لي فرصة إخراج دراما تلفزيونية كُردية لفرقة فنية كانت قادمة من مدينة كركوك، وفي اليوم التالي كلفت بشكلٍ رسمي بتنفيذ جميع واجبات إخراج الدراما الكُردية للفرق الفنية القادمة من المحافظات الكُردستانية، وقد تزامنت تلك المرحلة مع فترة اتفاقية آذار التي عقدت بين الحكومة العراقية والملا مصطفى البارزاني (رحمه الله)، وبدأت تلك الفرق الفنية الكُردية تتواصل معي في إخراج التمثيليات التلفزيونية الكُردية.
¶ مطلع التسعينيات، وتحديداً بعد انتفاضة الشعب ضد السلطات البعثية آنذاك، هل تعرضت لمضايقات، ولاسيما أنك كنت تعمل في مؤسسة الإذاعة والتلفزيون في العراق؟
– خلال فترة الانتفاضة (الشعبانية – الآذارية) لسنة 1991، استدعيت إلى مكتب مدير التلفزيون، الذي أبلغني بأن هنالك أوامر عليا باستبعاد 80 موظفاً كان اسمي من ضمنهم، وأنه سجري نقلنا إلى دوائر تابعة لوزارات أخرى في مناطق نائية غربي العراق، ونصحني المدير بأن أقدم طلباً خطياً للتقاعد المبكر، لأن ذلك أفضل وأسلم لي، علماً أني كنت في أوج عطائي ولم أكن أتجاوز سن الرابعة والأربعين، ولم أتردد لحظة واحدة فقدمت الاستقالة الإجبارية على الفور، وغادرت بغداد بعدها بعدة أيام متوجهاً إلى أربيل، لكن بسبب الاقتتال الداخلي لم استطع البقاء مطولاً في كُردستان فغادرتها مضطراً إلى مدينة عدن عاصمة جمهورية اليمن الشعبية، حيث كان أخي الكبير (جعفر) يسكنها قبل ذلك بخمس عشرة سنة بعد أن جرت ملاحقته من قبل السلطات العراقية في سبعينيات القرن الماضي، وعملت بعدها في مجال التدريس والشركات الفنية والقنوات التلفزيونية لبضع سنوات.
¶ ما الأحداث والأسباب التي استجدت لكي تعود إلى كُردستان؟
– في إحدى ليالي شهر شباط لسنة 1996 كنت جالساً في بيتي بمدينة عدن، حين وصلني فاكس من الكاتب والمفكر الكُردي فلك الدين كاكايي (رحمه الله)، الذي كان يشغل آنذاك منصب وزير الثقافة في حكومة إقليم كُردستان، سألني عن أحوالي وطلب مني العودة إلى أربيل للاستفادة من خبراتي الإعلامية في مجال الإذاعة والتلفزيون، قبلت الطلب بدون تردد، وخلال أسبوع واحد غادرت عدن إلى الأبد. وصلتُ مدينة أربيل والتقيت في اليوم التالي الوزير فلك الدين في مكتبه الواقع أعلى مبنى الوزارة على شارع الستيني، وعرضت عليه فكرة جديدة ومبتكرة وهي تأسيس إذاعة وتلفزيون حكومي، تعتبر الأولى من نوعها في حكومة الإقليم، التي أطلق عليها اسم (هريم)، وتعني بالعربية (الإقليم)، وأصبحت صوت الحكومة والمنافس الكبير لبقية الإذاعات والتلفزيونات الحزبية الموجودة في الساحة الإعلامية آنذاك.
¶ ما قصتك مع تأسيس أول فضائية كُردية؟
– بعد تأسيس تلفزيون (هريم) الحكومي بسنة واحدة أو أكثر بقليل، التقيت كعادتي في نهاية كل شهر الوزير فلك الدين (رحمه الله)، الذي طلب مني هذه المرة اللقاء بقيادي كبير لمناقشة موضوع على مستوى عال من السرية والأهمية، وفي اليوم التالي ذهبت إلى مبنى المكتب السياسي في مصيف صلاح الدين، وصلت إلى المكان، وكان في استقبالي القيادي الشهيد سامي عبد الرحمن (رحمه الله)، الذي عرض عليّ فكرة تأسيس أول فضائية كُردية، وبعدها بعدة أشهر بدأ العمل على المشروع وسميت القناة التلفزيونية باسم (فضائية كردستان)، وجرى إنتاج المواد الإعلامية المتنوعة وبثها عن طريق قمر اصطناعي أوربي بواقع بث يستغرق عدة ساعات يومياً.
¶ لطالما كانت ملحمة (مَمي آلان) للكاتب والشاعر الكُردي الكبير أحمدي خاني حلماً يكافح ناصر حسن من أجل تحقيقه..
– شرعت في نهاية سنة 2000 بالتحضير لمشروع مسلسل (مَمي آلان) من داخل أروقة مبنى فضائية كُردستان، وكانت القصة للكاتب أحمدي خاني، وهي من القصص التي لها خصوصية عندي، إذ حاولت إنتاجها كفلم سينمائي عراقي سنة 1988، لكن السلطات آنذاك عرقلت عملية إنتاج الفلم، ما أدى إلى إلغاء الفكرة تماماً من قبل التجار الكُرد الممولين للعمل بعد تهديدهم من قبل مخابرات صدام. ومع ذلك أُنجزنا العمل خلال سنتين فقط، ويعد هذا المسلسل من أهم وأفضل الأعمال الدرامية التاريخية الملحمية الكُردية، إذ العمل نجاحاً باهراً منقطع النظير لدى الجمهور العام والخاص، وتحول المسلسل إلى قبلة وقياس للأعمال الدرامية الأخرى المنتجة من بعده.
¶ بعد 2003 واستعادة الحياة الإعلامية والثقافية والفنية حريتها في العراق، ماذا قرر ناصر حسن؟
– بعد زوال النظام البعثي في العراق، ذهبتُ إلى بغداد على الفور، وقمت مع مجموعة من الفنانين الذين عملوا في الإذاعة التلفزيون بتأسيس أول اتحاد للإذاعيين والتلفزيونيين في العراق، وجرى انتخابي رئيساً له، بعد ذلك اخترت مدينة كركوك من بين المحافظات العراقية للذهاب والسكن فيها والعمل على تأسيس أول مقر إداري وإعلامي وفني وهندسي لشبكة الإعلام العراقي، واستطعت أن أشكل كادراً إعلامياً وفنياً من جميع مكونات مدينة كركوك، التي كان يطلق عليها الرئيس العراقي الراحل مام جلال (رحمه الله) اسم ( شدة الورد)، وامتدت بعدها تلك العملية إلى تأسيس مكاتب أخرى عدة في شمال العراق.
¶ ما سبب اختياركم مدينة كركوك؟
– اختياري مدينة كركوك لكي تكون مقراً لعملي الإعلامي والفني الجديد كان لأسباب عدة، لعل أهمها امتلاك المدينة لستوديوهات تلفزيونية كبيرة كنت على دراية وعلم بها مسبقاً، ورغم تعرضي فيها إلى محاولة اغتيال من قبل إرهابيي القاعدة في شهر نيسان سنة 2004، لكنني واصلت العمل في المحطة.
¶ ماذا بعد كركوك؟
– تركت المدينة منتصف سنة 2008، ورجعت مرة أخرى إلى أربيل وفي جعبتي هذه المرة مشروع جديد، هو العودة إلى شغف الطفولة الأول: السينما، فاستطعت أن أؤسس أول مديرية عامة للسينما في إقليم كُردستان، تمكنت من خلالها إيصال الفلم الكُردي إلى العالمية والمشاركة في المهرجانات الدولية المشهورة، وذلك بعد إنتاج 10 أفلام طويلة و100 فلم قصير، وها أنا مستمر في عطائي الفني حتى بعد إحالتي إلى التقاعد عام 2012.
¶ بماذا تحلم الآن؟
– أحلم بتأسيس مركز فني في القرية، يجتمع فيه الشباب العاشقون للفن السابع، لكي يتدربوا على صقل مواهبهم السينمائية بكل أقسامها وفروعها، ولكي يتطور هذا الحلم فيما بعد ليتحول إلى (مدينة لاسة السينمائية).