المجالـــــس الحسينيــــــة فـــــي كردستـــان عاشوراء .. دروس وعبر ودعوات للإصلاح

27

أربيل / ضحى مجيد سعيد
الحسين: ما خرجت أشراً ولا بطراً ولا ظالماً ولا مفسداً، إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأسير بسيرة جدي وأبي.

في بداية كل عام هجري تُستعاد ذكرى واقعة أليمة راسخة في ذاكرة المسلمين جميعاً، ولاسيما عند محبي آل البيت (ع)، ليس في العراق فقط، بل في كل البلدان الإسلامية، فتزداد الأحزان والآلام على ما حل ووقع في يوم عاشوراء، الذي يصادف في العاشر من شهر محرم، أول أشهر العام الهجري، تقام المجالس الحسينية إحياءً لذكرى استشهاد حفيد النبي وسبطه، الإمام الحسين (عليه السلام)، على يد ثلة باغية من الخارجين على قيم ومفاهيم الدين الحنيف، برغم ادعائهم التدين، مثلما نشاهده حالياً في أفعال المجاميع الإرهابية المتطرفة التي شوهت صورة الإسلام، التي تحمل نفس مفاهيم قتلة الحسين (ع)، كتنظيمي داعش والقاعدة الإرهابيين.
النهضة الحسينية
تقام خلال أيام محرم المجالس الحسينية في كثير من بقاع العالم، وإقليم كردستان العراق ليس بعيداً عن هذه الأجواء، فالمآتم الحسينية تقام فيه بدءاً من الليالي العشر الأولى من محرم الحرام، وفيها يتطرق الخطباء إلى الحديث عن النهضة الحسينية المباركة ومشروعها الإصلاحي، ويدعو الخطباء الحاضرين إلى تهذيب النفس وتخليصها من السيئات والذنوب، إذ إن محرم هو موسم إصلاح الذات والأسرة والمجتمع، كما أنه دعوة للإصلاح في جميع مرافق الحياة، وتحقيق العدالة للجميع.
فضلاً عن ذلك، يقوم (الرواديد) بإلقاء قصائد حماسية تثير في قلوب الحاضرين مشاعر الحزن والأسى على الحسين (ع) وأهل بيته وأصحابه، الذين استشهدوا ظلماً، لا لشيء إلا المطالبة بتصحيح مسار الأمة الإسلامية، وفي الغالب يعلو صوت بكاء الحاضرين الذين يلطمون الصدور حزناً وألما على ما جرى في كربلاء. وفي كل ليلة يقوم أصحاب المواكب بتوزيع المأكل والمشرب بثواب الإمام الحسين (ع) وشهداء الطف على الحضور المتشحين بالسواد حزناً على أبي عبد الله عليه السلام.
فاجعة المسلمين
يقول السيد (سعد الأعرجي – خطيب وإمام جامع): “لقد فُجع المسلمون باستشهاد سيدنا الحسين بن أمير المؤمنين علي (علیهما السلام)، ولا شك أن استشهاده (ع) يمثل مصيبة يفرح بها العدو ويُساء فيها المحب، وقد ساء ذلك كل من كان في قلبه مثقال ذرة من الإيمان، ولم يفرح بهذه المصيبة العظيمة إلا المفسدون والمنافقون والمجرمون، فإحياءً لهذه الذكرى الأليمة تقام مجالس الذكر والعزاء في عموم البلدان المسلمة، بل وحتى البلدان غير المسلمة والأجنبية التي توجد فيها جالية مسلمة، وكردستان العراق ليست بعيدة عن هذه الأجواء، إذ تقام فيها المجالس التي يحضرها جمعٌ غفير من المعزين والمواسين للنبى الأكرم (ص) وآل بيته الأطهار (ع).”
(عِبرة وعبرة)
بدوره، يقول (عبد الحسين علي حسن)، أحد الحاضرين في مجالس عزاء أهل البيت (ع): “لا أستطيع أن أمنع نفسي من الحضور المستمر في المجالس الحسينية، إذ إنها تغذيني وتدعمني بشحنات من الإيمان والمعرفة والتفقه في شؤون الدين والدنيا، فقضية الحسين (ع)، كما وُصفت فعلاً، (عِبرة وعَبرة). ودائما ما أتأسى بقول النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم (إن لقتل الحسين حرارة في قلوب المؤمنين لا تبرد أبداً)، فهذه الحرارة مستعرة دائماً في قلبي، وهي بلا شك كذلك في قلوب كل المؤمنين، وتزداد في أيام محرم، فلظى مصيبة الحسين (ع) وحرقة مصابه تدفعاني للتوجه إلى مجالس العزاء، لأن الحسين هو سفينة النجاة، كما وصفه النبي صلى الله عليه وآله وسلم (إن الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة).”
ثورة مباركة
أما (رضا علي محسن – كاسب- يسكن أربيل) فيقول إن “للنهضة الحسينية تأثيراً عاماً على كل البشرية، فثورته المباركة وحركته الإصلاحية التي نادى بها لا تنحصران في زمان أو مكان معينين، ولا ضمن حدود دين أو فئة معينة، فهو القائل (ما خرجت أشراً ولا بطراً ولا ظالماً ولا مفسداً، إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأسير بسيرة جدي وأبي). فهذا المنهج العام الذي رسمه الإمام الحسين (ع) لعموم البشر يمثل منهج الإصلاح في مقابل منهج الظلم والجور والفساد، لذلك ترى الجميع يشاركون في استذكار مأساة واقعة طف كربلاء من الرجال والنساء والأطفال، فكيف إذن لا يكون مؤثراً في الجميع؟”
الحسين دين وعقيدة
المواطن (أحمد حسن علي – حاصل على شهادة ماجستير في الشريعة الإسلامية) يقول إن “الحسين هو دين وعقيدة ومنهج ومدرسة، وطريق مليء بالمعرفة والتقوى والإيثار، وعلى الجميع -بلا استثناء- أن يتعلموا من مأساة الحسين (ع) وأبعادها المختلفة، كما يجب أن يفهم ويتعلم الجيل القادم وشباب الأمة الإسلامية من هذا الرجل العظيم الذي اهتز عرش الرحمن وبكت ملائكة السماء لاستشهاده، وعليهم استلهام حقيقة ما جرى، إذ إن نشر المعرفة، وبيان الحقيقة، وإثبات المعلومة الصحيحة، غاياتٌ سامية وأهدافٌ متعالية.”
عطاء فكري وروحي
تبقى الثورة الحسينية متجددة بالعطاء الفكري والروحي والإنساني، فروحانية أيام عاشوراء وما تمثله من معانٍ ضد الظلم والاضطهاد، مناهل يرتوي منها كل محبي آل البيت (ع) المتعطشين إلى نور المعرفة، ولا يخفى على الجميع أن التنوع المذهبي والديني والقومي انصهر أمام مبادئ ثورة الحسين الخالدة التي انتصر فيها الدم على السيف.