محمد اليازجي.. صورة غزة

68

نرمين المفتي

محمد صورة رائعة برغم وجعه وتعبه من غزة التي، مع نشر هذا المقال، تكون قد أنهت سنة من المواجهة والصبر، وتعرف مسبقاً إنها قالت كلمتها.. ليس لليوم، إنما للغد.
بوجه وسيم، بالكاد يبتسم أمام الكاميرا، وعينين لا يعرف كيف يخبئ فيهما حزنه كي لا يلاحظه الآخرون، يروي محمد اليازجي (14 سنة) قصته وكأنه يروي أحداث فيلم وجد نفسه بطلاً فيه رغماً عنه. يقول: في صباح اليوم المائة لحرب الإبادة التي يشنها النازيون الجدد على غزة، قررت أمه أن تذهب للاطمئنان على والديها، ليقصف الحي، وبضمنه بيت أهلها وتستشهد مع والديها. في اليوم التالي، قصف البيت الذي يسكنه محمد وأبوه وإخوته، ليبدأوا نزوحهم الأول إلى مستشفى الشفاء. ويذهب (أبو محمد) للبحث تحت الأنقاض عن جثمان زوجته، علّه يجده ليدفنها، ولا يعود. بعد 20 يوماً، يُقصف مستشفى الشفاء، يأخذ محمد إخوته الستة، وبينهم شقيقته الرضيعة (تولين)، التي عمرها 6 أشهر، وشقيقه (يوسف) وعمره سنتان، إلى مستشفى حمد، الذي يُقصف بدوره. يقرر محمد مع ابناء عمه النزوح مرة أخرى، وفي نزوحهم السادس كانوا في رفح، بينما بقي العم في غزة، ويبلغه أن والده بخير، ربما، ليبعد عنه الحزن، فهو منذ ذلك اليوم لم يسمع صوته ليطمئن عليه. أصبح محمد هو الأب والأم، فيقرر أن يُنشئ قناته على (اليوتيوب) لتكون دخله، مثله مثل المئات من الصبيان والبنات وغيرهم في غزة، الذين وجدوا أنفسهم بلا أي مورد مالي، فأنشأوا قنواتهم لإيصال بشاعة حرب الإبادة ضدهم، وأيضاً لتصوير إرادة أهل غزة وإصرارهم على الحياة، مهما كانت الظروف، فهناك دروس لحفظ القرآن الكريم وحفلات عرس وصفوف للدراسة في المخيمات وحلاق وأسواق ودروس لتعليم الموسيقى.
محمد يبدأ يومه بتحضير الإفطار وتنظيف تولين ويوسف، وإحضار الحليب للرضيعة، ومن ثم يترك الخيمة وإخوته أمانة عند شقيقه (زاهر 11 سنة)، فيذهب لإحضار الماء، ويمشي مسافة طويلة ذهاباً وإياباً ولمرات عدة، ثم يبدأ بتحضير الغذاء من المواد المتوفرة بالخيمة، أو في السوق، بعد أن يكون قد أحضر الحطب لإشعال النار. يصور ما يطبخه ولا ينسى أن يقول إن الدخان يؤذي عينيه، وتنبئ طبخاته بـ (شيف) مستقبلي مهم. في حواراته مع الفضائيات، يقول إنه في هذا العمر يحتاج إلى معيل، لكنه أصبح يعيل إخوته. يفتقد مدرسته، مثل زاهر وميار، ويفتقدون حضن جدهم، ويتمنون أن يلتقوا بوالدهم وأن تعود، بمعجزة، أمهم، وأن يعودوا إلى غزة ولو في خيمة أمام أنقاض بيتهم. محمد صورة رائعة برغم وجعه وتعبه من غزة التي، مع نشر هذا المقال، تكون قد أنهت سنة من المواجهة والصبر، وتعرف مسبقاً إنها قالت كلمتها.. ليس لليوم، إنما للغد.