التعداد السكاني.. معلومات تساعد الحكومة في التنمية ورسم الخطط المستقبلية

38

ريا عاصي
انطلق أكثر من ثلاثين ألف باحث عراقي جرى تأهيلهم وتدريبهم والتعاقد معهم من قبل هيأة الإحصاء ونظم المعلومات الجغرافية في وزارة التخطيط، بأشراف نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير التخطيط، الدكتور محمد تميم، جرى تزويدهم بأحدث الأجهزة اللوحية المعدة خصيصاً للتعداد السكاني. وباشر الباحثون عمليات الحزم والترقيم والحصر التي تعد اللبنة الأولى والركيزة الأساسية في مرحلة إجراء التعداد السكاني في هذا العام 2024.

قام الباحثون بترقيم وحصر المباني والمساكن والمحال التجارية، والمنشآت الأهلية والحكومية والأراضي الزراعية في جميع محافظات العراق، وتتبعوا السكان في أقاصي القرى والجبال لمتابعة سير عمل التعداد، وقد تعاونت جميع أجهزة وقوى الأمن في وزارتي الداخلية والدفاع في تأمين وضمان سلامة الأهالي والباحثين لإيصال المعلومات بصورة دقيقة.
التعداد التجريبي
كانت هيأة الإحصاء قد أعلنت نجاح تجربتها الميدانية الأولى التي أجريت من خلال ألف باحث، وبواقع 86 منطقة اختيرت في 41 محلة في الحضر و 45 قرية في الريف، جرى تقسيمها وترقيم وحصر مبانيها ومنشآتها وسكانها في بداية شهر حزيران وحتى منتصف تموز الماضيين.
خلال هذه المرحلة جرى التأكد من سلامة المعلومات التي ضمتها استمارة الاستبيان، التي جرى العمل عليها من قبل مجموعة خبراء تربويين وأكاديميين واقتصاديين وإحصائيين، ومنظمات محلية ودولية من أجل الوصول إلى المعلومات التي تساعد الحكومة العراقية في التنمية وبناء الخطط التي تبنى على أساس نتائج البحث والأسئلة.
يذكر أن عملية الإحصاء السكاني ستجري بشكل رسمي بتاريخ 20 و 21 من شهر تشرين الثاني المقبل من العام الحالي 2024، إذ سيعلن خلالها حظر التجوال التام من أجل التأكد من دقة المعلومات، كما سيجري استقراء شكل تخميني لعدد المهاجرين خارج العراق من خلال معرفة معلوماتهم لدى عائلاتهم وذويهم. وسيجري إعلان نتائج التعداد في شهر كانون الأول نهاية العام.
أهمية الدقة
يعد التعداد السكاني من أهم الركائز في تقدم أي بلد، إذ إنه يوفر البيانات الدقيقة عن أعداد السكان وتوزيعهم، ما يساعد الحكومات في التخطيط للموارد والخدمات العامة، مثل التعليم، والصحة، والإسكان. كما يمكنها من تخصيص الميزانيات بشكل أكثر فعالية.
كذلك يساعد التعداد في تحليل التركيبة السكانية، مثل العمر، والجنس، والتعليم. وهذه المعلومات ضرورية لفهم احتياجات المجتمع وتوجهات النمو، كما يوفر التعداد السكاني معلومات تسهم في تحقيق العدالة الاجتماعية، وذلك في تحديد الفئات السكانية الأكثر احتياجاً للدعم، مثل الأفراد من ذوي الاحتياجات الخاصة أو الفئات الهشة.
الهوية الوطنية
تضم الاستمارة سبعين سؤالاً جرى نشرها في موقع وزارة التخطيط، والملاحظ في استمارة الاستبيان أنها لم تضع خانة للقومية أو المذهب، وذلك حرصاً من القائمين بالتعداد على عدم إثارة المواطنين وتصنيفهم عرقياً، والتزاماً من العراق بالمواثيق الدولية التي تسعى لجعل الاستبيان ناجحاً في إيجاد الحلول ودراسة واستقراء المستقبل، وتعزيزاً للهوية الوطنية.
مشكلة الأجانب
كذلك شملت الاستمارة القاطنين في العراق من جنسيات أخرى، وهي مشكلة حقيقية يعاني منها غالبية المواطنين، إذ توجد فئة وافدة كبيرة من المنتهية إقاماتهم، ولا توجد أية بيانات رسمية أو إحصاءات عنهم، لذا يمكن للتعداد أن يبين لنا حجم العمالة الوافدة دون أصول قانونية، أو بالأصول القانونية، وإيجاد الحلول.
كم لوحاً إلكترونياً تمتلك؟
من الطرائف التي ضمتها الاستمارة هي عدد الألواح الإلكترونية وأجهزة (الراوتر) التي تمتلكها العائلات، وهي إحدى أهم المشكلات المجتمعية التي لا نمتلك عنها أي إحصاء حقيقي، ولاسيما في ظل عدم وجود سيطرة نوعية على الأجهزة التي تدخل البلاد.
يذكر أن العراق، بسبب الأزمات الأمنية والسياسية التي مرت عليه، لم تتمكن الحكومات السابقة من إجراء تعداد سكاني فيه، إذ كان آخر تعداد سكاني قد أقيم في العراق عام 1997، وكان عدد سكان العراق حينها يقارب الـ 22 مليون نسمة، في حين من المتوقع أن يتجاوز تعداد العراقيين اليوم الأربعين مليون نسمة.
وكانت استمارة الاستبيان حينها يدوية ورقية، تشمل أربعين سؤالاً، غابت عن مفرداتها حالة التوحد التي أضيفت إلى استمارة استبيان اليوم، التي تضم سبعين سؤالاً لرصد الاحتياجات، خاصة بعد انتشار المعرفة والمعلومات الخاصة بمجتمع المتوحدين اليوم.
مستقبل الأبناء
تظهر الوثائق التاريخية في العراق الحديث أن اول تعداد سكاني رسمي كان عام 1919، حينذاك كان عديد سكان العراق ما يقارب الثلاثة ملايين نسمة. أما في تعداد عام 1957 فوصل إلى ستة ملايين نسمة، في حين كان في تعداد عام 1977 (12) مليون نسمة. في الماضي، كانت جداتنا يتخوفن من تعداد أحفادهن، أو معرفة كمية الطعام لديهن، اعتقاداً منهن بأن هذه العملية (اتطير البركة)، لكن البركة حقاً تختفي حين لا نعرف كم نحتاج من المدارس، والمستشفيات، والشوارع، وطرق النقل، والحافلات، لكي تسير حياتنا بصورة سلسة وسهلة.
عزيزي المواطن، كل ما عليك فعله يومي الـ 20 و الـ 21 من تشرين الثاني المقبل هو استقبال الباحث بعد التأكد من تخويله وهويته، ومن ثم إعطائه البيانات التي سوف يسألكم عنها، وعدم اهدار وقته ووقت الباحثين بالإلحاح عليهم وإطعامهم، نعلم أنك عراقي شهم ومضياف، إلا أن قدحاً من الماء يكفي لإتمام مهامه للحصول على مستقبل مشرق لك ولنا ولأبنائنا مستقبلاً.