(أهل العمارة) في مانشيتات السينما العراقية الأولى

36

ميسان / جبار عبد الله الجويبراوي

مع أن تجربة العماريين مع المسرح بدأت في وقت مبكر، وبالتحديد عام 1906م، إلا أن معرفتهم بصناعة السينما ظلت متأخرة تماماً. وعندما بدأت السينما العراقية مسيرتها بإنتاج فيلم مشترك مع مصر، كان أول فيلم هو (ابن الشرق) عام 1948م من إنتاج شركة أفلام الرشيد العراقية المصرية، ثم أعقب هذا الفيلم في العام نفسه فيلم (القاهرة ـ بغداد) من إخراج المصري (أحمد بدر خان)، ومثل فيه من العراق (حقي الشبلي وإبراهيم جلال) إلى جانب ممثلين مصريين

وكان الفيلم إنتاجاً مشتركاً بين اسماعيل شريف من العراق، وشركة اتحاد الفنيين المصريين.
من خلال الاطلاع على ملصق الفيلم، نجد صورة كبيرة في أعلى (المانشيت) للفنان العراقي الكبير حقي الشبلي وأسفلها صورتان للفنانتين مديحة يسري المصرية وعفيفة اسكندر العراقية، ثم صورة الفنان بشارة واكيم. كما أن القصة والحوار مشتركتان بين الفنان العماري سلمان الجوهر وحقي الشبلي، وتلحين الأغاني محمود شريف ومحمد فوزي، وكتابتها لبيرم التونسي، والموسيقى الريفية للفنان عيسى العمارتلي.
أسهم في هذا الفيلم خمسة أشخاص من مدينة العمارة هم: سيد حمد العلاق، وجويسم الهليجي، وسيد فالــــــــــح، ومحمد اليســـــــر، والملحن المشهور عيسى العمارتلي. ظهر هؤلاء الخمسة في مشهد عرس في الهور في منطقة (الشعبة)، في مجموعة من الزوارق الجميلة تنساب بسرعة في مقاطعة الشيخ محمد العريبي في نهر الكحلاء، وكانوا يغنون الموال الذي كان حزيناً جداً، لم ينسجم مع طبيعة الفيلم، لذا فإن المخرج (أحمد بدر خان) طلب منهم لحناً آخر وضعه بنفسه، وطلب منهم مجاراته، ونجحوا في الحال بتلبية رغبته، كما ذكر لي ذلك المرحوم (سيد حمد العلاق)، وكان اللحن الذي غنوا فيه هو (عمي يبو عيون السود)، الذي غناه المطرب الكبير (داخل حسن) فيما بعد.
وربما هنالك سائل يسأل من الذي أتى بهؤلاء وهم أناس مغمورون؟ والجواب هو أن علاقة الفنان حقي الشبلي بالعمارة بدأت منذ الثلاثينيات عندما كان يصطحب فرقة الفنانة المصرية (فاطمة رشدي) إلى العمارة، وكانت علاقته طيبة مع التاجر العماري (الحاج كرم الوتار).
قصة الفيلم
الفيلم يحكي قصة شاب عراقي يتهم بقتل عمه، وتجتمع الأدلة ضده، يفر هارباً إلى القاهرة، عند صديق له يؤويه، وحيث أن الشاب العراقي يعمل صحفياً، فإنه يظل على عمله في مكاتبة الصحف والمجلات باسم صديقه. وكانت لصديقه ابنة جميلة ظلت ترعاه حتى وقع في حبها، وكذلك هي، فطلب يدها من صديقه الذي يعرف سره. يوافق الصديق أن يتزوج الشاب العراقي من البنت المصرية. تتوالى الأحداث وينكشف أمر قاتل عمه ويعترف، فيرسل صديق عراقي إلى الشاب في القاهرة يعلمه بما جرى في قضيته، وأنه قد برئت ساحته، فيقرر العودة إلى وطنه بصحبة زوجته، ابنة الصديق الوفي الذي قام برعايته في القاهرة.
عنتر وعبلة
في عام 1948 أيضاً أنتج في مصر فيلم (عنتر وعبلة)، تمثيل الممثل الكبير (سراج منير) والفنانة (كوكا)، وقد حضر إلى مدينة العمارة، بالإضافة إلى أولئك الفنانين صلاح أبو سيف وحلمي رفله وفاخر فاخر، وهو الفيلم الذي حقق إيرادات مالية كبيرة جداً، وأصبح منتجوه في مقدمة المنتجين السينمائيين والموزعين المصريين، وكذلك أصحاب صالات السينما في العراق، الذين استوردوا هذا الفيلم، وقد استمر عرضه أكثر من سنة. في حين لم تكن هناك سوق سينمائية عراقية أو عربية مستقلة تستقبل أي فيلم لبضعة اسابيع.
بقي لنا أن نسأل “ما هو دور العماريين في هذا الفيلم؟” إن الحكاية الشعبية العربية تقول إن (عنترة) ذهب إلى بلاد فارس للحصول على النوق الحمر التي طلبها منه عمه مهراً لـ (عبلة)، وهو طلب تعجيزي، فسلك (عنترة) طريق (المشرح ـ الطيب)، ومرّ من هناك، والآثاريون العماريون يشيرون إلى مكان مرور(عنترة) بـ (إيشان العنترية)، حيث جرى تصوير بعض مشاهد الفيلم في تلك المنطقة، وقد استعان المخرج بأبناء عشيرة (العبوس)، التي تسكن المنطقة منذ زمن بعيد، لتمثيل تلك المشاهد بكونهم (كومبارس)، وقد كانت بعض اللقطات تصور هجوم جيوش (عنترة بن شداد العبسي) على جيوش (الرومان) وتحرير العرب الأسرى من آسريهم. ومن يعلم، فقد يكون العبوس هم بقايا قبيلة (بني عبس) الذين أسسوا إمارة في القرن الرابع الهجري في جنوب العراق، كما أشار إلى ذلك الأستاذ الدكتور عبد الجبار ناجي في كتابه (المزيدون).
وقد لا نعرف أحداً من عشيرة (العبوس)، وإذا ما دققنا النظر في تلك الشخوص سنعرف من بين تلك الجموع صبياً جيء به مع الناس من (المشرح) لتمثيل دور لا يعرفه، لكنه سجل موقفاً في تاريخ السينما في العمارة أواخر الأربعينيات، هذا الصبي هو مالك الحاج يوسف المطلبي، (الأستاذ الدكتــور مالك المطلبي فيما بعد). ومما لا شك فيه أن الفنانين العماريين شاركوا في تصوير بعض المشاهد وساعدوا المخرج في توفير العدد المطلوب من الممثلين والخيول، إذ إن المخرج والممثلين المصريين مكثوا مدة طويلة في ربوع العمارة وزاروا الأهوار، وكرّمهم أهل العمارة، كما أنهم نزلوا في فندق (الجواهري) المطل على نهر دجلة على نفقة التاجر العراقي (إسماعيل شريف)، صاحب سينما الحمراء في العمارة.