نـــــاجيــــات لــ””الشبكة العراقية””: الكشف المبكر عن سرطان الثدي أنقذنا من الموت

21

رجاء الشجيري
هن نماذج لنساء باسقات تملؤهن الإرادة والشجاعة، حاربن المرض الخبيث بالفحص والاكتشاف المبكر. منهن من تشافت منذ سنين، وهي اليوم تعيش مع أحفادها وترعاهم، ومنهن مازلن في طور العلاج الأخير.
تزامناً مع شهر تشرين الأول (أكتوبر)، الذي خصص للحملة الوردية لمحاربة سرطان الثدي والوقاية منه، التقت “الشبكة العراقية” عدداً من الناجيات للحديث عن قصصهن في مواجهة هذا المرض ومقاومته والشفاء منه.

شخصياً، كنتُ قد مررت بجزء بسيط جداً من معاناتهن وشعورهن لحظة الإصابة والهلع والخوف، وأنا أنظر إلى أولادي، وذلك عندما شعرت -لمرتين- بوجود كتلة في الجزء الأيمن من الثدي، ليتبين بعد الاستئصال والزرع أنها حميدة. لكن نماذج من النساء الشجاعات اللاتي معنا كانت إصاباتهن مؤكدة، ولم ينقذهن سوى الكشف المبكر، وإرادتهن القوية في مواجهته.
سيدة الناجيات
أولى النساء كانت نوين المفتي، مُدرّسة متقاعدة، من مواليد 1946 في كركوك، بدأت حديثها بقولها: “لم تكن رحلتي مع المرض متعبة كثيراً حين أتذكرها، لأنني اكتشفت المرض مبكراً، ففي إحدى ليالي سنة 1995 شعرت وتلمست عقدةً في الثدي أثارت فزعي، لم أصبر حتى الصباح، بل لجأت مباشرة إلى جاري الطبيب الاختصاص للكشف عليها، الذي أخبرني بأنها كتلة واضحة يجب استئصالها فوراً، لأكتشف حين وصولي المستشفى بأني في المرحلة الأولى من المرض، وأنه لابد من تداخل جراحي. وفعلاً جرى ذلك في مستشفى ببغداد، لكن الوقت الذي أضعته بسبب التزامي بعملي التربوي أدخلني في المرحلة الثانية من المرض، ما اضطر الأطباء، للتخلص من المرض، إلى استئصال الثدي كله، إذ أن الطب وقتها لم يكن كما هو اليوم.”
مضيفةً: “كنت أخشى من انتشار المرض بعد العملية، لكني حاربت هذا الشعور بإيماني والتزامي بالعلاج والتعليمات، وها أنا أدخل عامي الـ 78، وحياتي طبيعية جداً بعد 29 سنة على رحلتي مع المرض.”
إرادة الحياة
سميرة سعدون مصطفى، أستاذ مساعد في الجامعة التقنية الوسطى، اكتشفت إصابتها بالمرض عام 2011، ولكونها كانت مواظبة على الفحص الذاتي الشهري لثدييها، فقد اكتشفته مبكراً، وكانت في المرحلة الثانية منه، بعد وصوله إلى الغدد اللمفاوية أسفل الإبط. تقول سميرة: “كنت أتساءل، قبل إصابتي، كيف يعيش من يصاب بالسرطان؟ وما هي حالتهم؟ لكن بعد إصابتي، شعرت أول الأمر بالصدمة والإحباط والخوف الشديد إلى أن استعدت قوتي، إذ عزمت على العيش لأجل ولديّ، عبد الله وسعدون، اللذين كانا صغيرين، لذا أجريت العملية في العراق، بعدها سافرت إلى تركيا لأخذ الجرعات الكيمياوية.” تصف سميرة أول جرعة كيمياوي قائلة: “كانت الأصعب عليّ بسبب العامل النفسي والخوف، كنت كلما غسلت وجهي، ينزف أنفي وجسدي دماً، لكني تفهمت بعدها أنه أمر طبيعي أثناء العلاج.” موضحةً أن الجلسات اللاحقة كانت أسهل كثيراً، وأنها استمدت القوة من زوجها وأهلها وأهل زوجها ودعمهم لها في محنتها، مضيفةً: “أنا الآن بصحة جيدة وأتحدث في المنصات بأني واحدة من الناجيات وليس المتوفيات، وأبنائي عبد الله وسعدون، الأول طبيب في مستشفى اليرموك، والآخر صيدلاني، وأحمد الله كثيراً على نعمة النجاة.”
عوامل وراثية
“هو جبان سأهزمه”، بهذه العبارة تواجه الناجية أمل ناصر مرضها الخبيث، وهي في قمة تفاؤلها وطاقتها الإيجابية، بعد كل جلسة كيمياوية تأخذها. مؤكدة أنها ما زالت تأخذ العلاج ضمن الجرعة الخامسة بعد إجرائها العملية، مبيّنةً امتناعها عن جميع الأكلات المجمدة والمعلبة إضافة إلى السكريات، لما لهذه الأطعمة من دور في تغذية المرض الخبيث.
أما كلدان نور، التي أصيبت بسرطان الثدي عام 2015، فقد كانت ترجح تأثير العامل الوراثي بوقوعها في براثن المرض الخبيث، بعد جدتها وأختها. مؤكدةً أهمية الطبيب المعالج والالتزام بوصاياه، تقول: “لقد كان طبيبي صديقي في رحلة علاجي على هذا الداء والانتصار عليه.”
الدكتورة هند زهير، تخصص دقيق في أمراض السرطان، في مستشفى الكرامة التعليمي تحدثت عن العامل الوراثي وقصة إحدى مريضاتها، التي توفيت أمها بعد اكتشاف سرطان الثدي المنتشر في جسدها، لتكتشف في أربعينية والدتها وجود كتلة في ثديها، لم تخبر أحداً بشأنها بسبب خوفها. وبعد الفحص اكتشفوا أن ورمها سرطاني، فأجرت عملية لرفع ثديها ونجت، ليكتشفوا لاحقاً أن أختهم الصغيرة تمتلك هي الأخرى ورماً في ثديها، وبعد أن أجبرها زوجها على الفحص، تأكد عدم إصابتها بالمرض، وأن الورم كان حميداً، أجريت عملية لإزالته، وإن كلتا الشقيقتين بصحة جيدة الآن.
دعمٌ نفسي
عن أهمية الدعم للمصابة، تحدثت الدكتورة براءة العاملي، المختصة بالطب النفسي، إذ قالت إن “أي مرض مزمن ممكن أن يتسبب بالكآبة، ونقص في ناقل السعادة (السيروتونين)، والمصابة بعد عملية الاستئصال، وفقد جزءاً من جسدها وأنوثتها، وكذلك بعد تلقيها جلسات الكيمياوي وتساقط شعرها، ستتعرض بالتأكيد لضغوط نفسية كبيرة جداً، وستكون بحاجة للدعم من محبيها لتعزيز مناعتها.”
فيما يحلل الدكتور فراس عبد الأمير، اختصاص الطب النفسي، طبيعة ردود ومعايشة المرض بقوله:
“لو أننا أجرينا دراسة على غالبية النساء المصابات بسرطان الثدي، لوجدنا أنهن صاحبات شخصية تكبت انفعالاتها وحاجاتها، وأكثرهن يتحملن دون تذمر. ومريضة سرطان الثدي لا تعاني من صراعات نفسية بقدر استنفاد مصادر الطاقة النفسية لديها.” وفي رده عن سؤال مفاده “لماذا تخشى المصابات بالمرض الإفصاح عن مرضهن؟” قال عبد الأمير: “يأتي ذلك بسبب طبيعة الشخصية ورد الفعل عند الاصابة بأمراض فتاكة، فالرد والشعور الأول (الإنكار)، وهو وسيلة دفاعية تأخذ وقتها، بعدها المرور بمرحلة (الغضب)، عبر توجيه أسئلة لأنفسهن، لماذا أصبن دون غيرهن، ثم المرحلة الأخيرة، (التقبل)، وهنا يأتي دور الدعم النفسي من العائلة والأهل.”
يذكر بأن وزارة الصحة اطلقت مؤخراً حملتها للكشف المبكر عن سرطان الثدي، والتي ستستمر على مدار السنة عبر عيادات متنقلة وثابتة، هي ثلاث عجلات متطورة، كل عجلة منها عبارة عن مستشفى تشخيصي ميداني متكامل.