هل تختلف حركة اللون والفرشاة في لوحة المرأة عن الرجل؟

21

نورا خالد

غالباً ما يقال إن الجمال ينبثق من داخل المرأة، فيخرج -عبر أعمالها الفنية التشكيلية- كل ما في داخل روحها من طاقات إبداعية تجسدها في عملها الفني، أو تترجمها بالفرشاة والألوان. لكن هل يجعل هذا لوحتها تختلف عن لوحة زميلها الرجل؟ أم أن المقياس الوحيد هو الموهبة التي تميز عملاً فنياً عن آخر، بعيداً عن جنس الفنان؟

“الشبكة العراقية” توجهت بهذا السؤال إلى عدد من الفنانين التشكيليين، وكان أول المتحدثين الفنان المخضرم معراج فارس الذي قال:
ابتسامة مسالمة
“يمتلك الفنان التشكيلي الحرية والمساحات والوقت والفراغات والقوانين والأعراف الوضعية في المجتمع، لذا فإنه يتمتع بميدان ومعترك أوسع، تضاف له قوته الجسدية وتسيده على المنجز التشكيلي، ناهيك عن الوقت والتفرغ والمتابعة والتثقيف الذاتي من مطالعة الكتب وما شابه ذلك. على العكس من الفنانة التي يحد من نشاطها الفني الكثير من العوامل. وعلى الرغم من ذلك تحدت الظروف ونافست زميلها الفنان وقدمت منجزاً تشكيلياً رائعاً في كل الاختصاصات، سواء في الرسم، أو النحت، أو أعمال السيراميك.”
إخراج لوني
يضيف فارس: “الفنان بتركيبته الجسدية وتكوينه البيولوجي والفسيولوجي يختلف عن الفنانة، إذ نرى في منجزه اشتغالات وتقنيات وتكنيكاً ومحاكاة مرتبطة بالبنية الجسدية، ومناقشته للفكرة والمضمون والإخراج اللوني أوسع وأدق من بعض الفنانات، لأسباب معينة، منها تركيبها البدني، والضغوط المجتمعية، والواجبات الأسرية، وفقدان الحرية في بعض الأمور.”
مستدركاً أن “الفنانة لديها القدرة أن تتسيد وتتجاوز الفنان فيما لو أتيحت لها الظروف وتجاوزت المجتمع الذكوري، وأذابت القيود، لأن مشاعرها رقيقة ولونها حالم ينثر بوجه المتلقي الابتسامة المسالمة.”
ملامح العنف
بدوره، يعتقد الدكتور جواد الزيدي أن “سلطة الموضوع تسجل أثرها الواضح في كل نتاج فردي، ولا يمكن تجاهلها أبداً، مهما كانت هذه السلطة، إذ تحدث الفلاسفة وعلماء الاجتماع طويلاً عن تأثيرات اللاوعي الجمعي والذاكرة والجنس البشري عن ذلك التأثير، وهذا ما نتلمسه في حقول الإبداع (الآداب والفنون)، كما جرى تمييز هذا الإنجاز من خلال محددات النوع (الرجل والمرأة)، طبقاً لما يحيط بهما من ظروف خاصة تتجسد بالفضاء الاجتماعي المتمثل في المحظور والمحرم والموانع والمصدات التي تقف أمام المرأة، واختفاؤها أمام الرجل، وهنا يمكن رصد الفوارق على صعيد الفن والرسم تحديداً، إذ إن رسوم المرأة تختلف عن رسوم الرجل من حيث التقنيات التي تستدعي حضور (الكولاج)، أو التلصيق، أو المعاجين وكثافة اللون، ترميزاً لطبيعته البشرية، بينما تتسم رسوم المرأة بشفافية اللون، أو الاختزال المفرط في التعبير عن الموضوع.”
يضيف الزيدي قائلاً: “من جانب آخر، فإن المرأة أكثر تعبيراً عن موضوعاتها الممثلة في الأنوثة مقابل الفحولة، لتكون معادلاً موضوعياً أمام سلطة الرجل في الحياة والواقع المعاش، وتحتاجه في دفاعها عن وجودها وكينونتها وخصوصيتها أكثر من دفاع الرجل عنها في بعض الأحيان. لذلك فإن كثيراً من رسومات المرأة تمثل ملامح العنف المسلط على ذاتها والقمع والتهميش، أو تجليات مفهوم الأمومة، وغيرها من الموضوعات التي تعكس طبيعة الحياة وتصويرها، فضلاً عن توظيف منظومات لونية تميل إلى البهرجة التي تتواءم مع طبيعة أزيائها، تلك المنظومة التي تدخل بقوة في معالجاتها، بعكس رسومات الرجل الذي يتقصد التخفي خلف منظومة ألوان معتدلة، أو معتمة، وأحياناً مخترلة، وهذا ينطبق على فضاء المرأة العربية الرسومي، ويصل حتى المشيدات الرسومية لدى فنانات العالم، الذي يتوافر فيه جزء من قيم المساواة. إلّا أن الفنانة لديها محفزاتها الداخلية التي تستشعر فيها موضوعاتها الخاصة التي تُحيلها إلى موضوعات إنسانية عامة على صعيد الرسم، وتتبع طرقاً تميل إلى البساطة، لكنها تحتفظ بعمقها في التعبير.”
لمسة إبداعية
أما الفنانة منى مرعي، فقد بيّنت أن” الموضوع لا يختلف من حيث الجنس، إن كانت امرأة أو رجلاً، لكنه يختلف من إنسان إلى آخر، فاللمسة على اللوحة التي يرسمها الفنانون تشبه بصمة الأصابع، كل منهم تختلف بصمته عن الآخر وكل فنان له تكنيك معين باللون وحتى بمسكة الفرشاة.”
تكمل مرعي بالقول: “ممكن أن يشعر المتذوق للفن أن الذي رسم اللوحة هو فنان وضع عليها لمسة إبداعية، أو رسام نقل الواقع كما هو، كما يمكن أحياناً أن نميز أن هذه اللوحة قد رسمتها امرأة، لأن فيها نوعاً من النعومة أو الترافة. لكن في مجمل الأحوال لا يمكن التمييز، ولاسيما إذا أبدت الفنانة نوعاً من الجرأة، أو التكنيك، أو استعملت تقنيات كثيرة قد لا يستخدمها الرجل نفسه.”