هل يقيل البشر ويحل محلهم؟ الذكاء الاصطناعي بين الإبداع وسرقة الجهود
زياد العاني
مخاوف كبيرة أبداها بعض الكتّاب والمفكرين والمبدعين من تأثير الذكاء الاصطناعي على الأدب والفن، حين وصفوه بـ “السارق الذكي”، لأنه يسرق – بحسبهم – أعمالهم الإبداعية الروائية وغيرها، الموجودة على محركات البحث في الإنترنيت مثل (جوجل) وغيرها، ثم يقوم بإعادة إنتاجها من جديد بشكل احترافي، دون الاشارة إلى أسماء أصحابها. ما يطرح إشكاليات كبرى في الأوساط الثقافية، فضلاً عن التحديات الكبيرة على مستوى التعليم، ولاسيما في البحوث العلمية والجامعية.
في هذا الاستطلاع، الذي شاركت فيه مجموعة من المثقفين، سلطنا الضوء على هذه المخاوف، وآرائهم في مستقبل الذكاء الاصطناعي وتأثيراته على العملية الإبداعية.
متغير ثقافي
يقول الروائي علي بدر: إن “المخاوف من مخاطر استقالة البشر وإحلال التكنلوجيا محلهم فكرة رائجة، تمتد إلى القرن الماضي في محاولة إحلال الروبوت محل البشر. لكنها لم تنجح حتى الآن، إلا بحدود مرسومة من قبل البشر أنفسهم. الآن نحن نقف أمام محاولات توظيف الذكاء الاصطناعي في الفن التشكيلي والكتابة الإبداعية من شعر وسرد قصصي وكتابة أدبية، وهذا متغير ثقافي كبير، فهو يعتمد على البشر ويعزلهم في الوقت ذاته، إذ من الكم الهائل لنقل الركام تظهر أنواع من الكتابات، فيها الصنعة، لكنها تفتقر إلى العاطفة.”
وأضاف: “ثمة شيء ينسى في الفن، وهو التوقيع الشخصي، الفن ليس نصاً فقط، إنما تجسيد بشري، إذ يلعب الفنان، أو الصانع، دوراً كبيراً، ليس في إنتاجه للنص فقط، إنما بتوقيعه الشخصي، حياته وصورته ومكانته وآرائه السياسية والثقافية.”
وعن الخوف من سرقة الجهود قال: “النص أصلاً هو تناص، كما سماه الشاعر الفرنسي فاليري (الذئب هو الخراف المهضومة)، وبالتالي لا قيمة لهذا الخوف.”
ذكاء بلا موهبة
أما الكاتبة والناقدة الأدبية د. نادية هناوي، فترى أن الذكاء الاصطناعي اختراع ليس بجديد، بل إن عمره الآن يتجاوز قرناً إلا نيفاً، على حد تعبيرها. وقالت إن “أول اختراع له كان في خمسينيات القرن الماضي. وما تطبيقاته سوى تطوير متقدم لمحركات البحث (جوجل وياهو وبرمجيات اللغة والترجمة). ومن الاعتقادات الخاطئة أن الذكاء الاصطناعي يهدد مستقبل الأدب والنقد، وأنه سوف يساوي المبدع مع غير المبدع.” مضيفةً: “الصحيح هو أن الذكاء الاصطناعي لا يمتلك الموهبة التي يمتلكها الأديب الخلاق، كما لا يمتلك هذا الذكاء الأدوات الراكزة التي يملكها الناقد صاحب القدرات والإمكانيات. وما يُظهره الذكاء الاصطناعي من قصور ونواقص في مجال الأدب والفن، يعني أن ثمة مسائل معقدة ينبغي على العلماء حلها، ولاسيما مسالة مشابهة الآلة للإنسان في اللمس والحس والدوافع والعواطف، فالعقل الصناعي لا يمتلك ما يملكه العقل البشري من مهارات ذاتية، مثل الإدراك الحسي والانفعال النفسي والقدرة على الابتداع.”
أما في ميدان التعليم، فحذرت (هناوي) من التأثير السلبي للذكاء الاصطناعي عليه، إذ قالت: “إن ضرر الذكاء الاصطناعي على التعليم خطير، إذ سيلجأ الطلبة إليه في إنجاز ما يطلبه منهم أساتذتهم، فيتحيَّد نشاطهم ويتخرج جيل لا يفقه شيئاً مما ينبغي أن يكون قد تعلمه في مراحله الدراسية.”
ظاهرة مدمرة
فيما يصف الكاتب محمد غازي الأخرس أدب الذكاء الاصطناعي بأنه “ظاهرة مدمرة نتجت عن التقدم الرقمي الهائل الذي يجتاح حياتنا، وبدأ يجرد الإنسان من ميزته الكبرى، وهي امتلاك العقل الإبداعي الأصيل.” وقال (الأخرس): “مع الذكاء الاصطناعي، بات يمكن خلق صور من الإبداع المزيف، إذ تحاكي الآلة ذكاء الإنسان وقدراته الذهنية، كالتعلم والاستنتاج ورد الفعل. صحيح أن الذكاء الاصطناعي أفاد الإنسانية، ولاسيما في السنوات الثلاثين الأخيرة، إلا أنه يطرح الكثير من الشبهات في الأدب والفن.” متسائلاً: “ما معنى أن نفاجأ بأم كلثوم -مثلاً- وهي تغني أغاني جديدة؟ وما معنى أن نقرأ قصصاً وقصائد تكتبها آلات ذكية وفقاً لخوارزميات ونصوص مختزنة يعاد إنتاجها تبعاً لبرامج، مثل برنامج (تشات جي بي تي.)”
وأضاف: “شخصياً أنا ضد هذا الذكاء الاصطناعي والتوسع به في مجالات الأدب والفن. إن هذا المجال بالذات لا يمكن فيه أن تحل الآلة محل الإنسان، إذ إن الأدب إبداع خالص ونشاط فردي، فماذا نتوقع من الذكاء الاصطناعي أن يفعل في الرواية مثلاً؟ كيف يطور الشخصية؟ كيف يضفي على اللغة من روح الراوي؟ ماذا نتوقع من الآلة وهي تكتب الشعر مثلاً؟ وهل يمكن أن ينقل الذكاء الاصطناعي إحساس مطرب مثل فريد الأطرش وهو يغني؟” الأخرس ختم حديثه بجملة: “لا أتوقع لهذا النشاط أن ينجح في أي حال من الأحوال.”
عصف ذهني
في حين ترى الكاتبة والمعمارية فاتن الصرّاف أن تقنيات الذكاء الاصطناعي قد تشكّل تهديداً للقيمة الثقافية، لأنها لا تمتلك القدرات البشرية الأساسية التي تثري الفنون الإبداعية، ومنها التفكير وطريقة التعبير عن المشاعر والعواطف. مضيفةً: “لكن في نفس الوقت، الذكاء الاصطناعي يمكن أن يصبح من الأدوات القيّمة للمؤلف، سواءً أكان كاتباً إبداعياً أم أكاديمياً يشتغل في البحوث، فيما إذا جرى توظيفه بشكلٍ صحيح. وفي هذا السياق، يمكن للمؤلف توظيف الذكاء الاصطناعي في مراجعة النصوص من الناحية اللغوية مثلاً، ولربّما يساعده في التغلّب على (حَبسة) الكاتب من خلال اقتراح أفكارٍ جديدة تلهمه وتساعده في تخطّي المعوّقات التي تعترضه أثناء عملية الكتابة.” مشيرةً إلى إمكانية الاستعانة به في جمع المعلومات والإحصاءات، ما يوفّر للكاتب الوقت والجهد، كما يمكن أن يوظَّف كمحرّر افتراضي يسهم في تحرير النصوص وتحسين كفاءة عملية الكتابة وإثراء نسيج الحَبكة والسرد.
وأضافت أن “الذكاء الاصطناعي يقدم فرصة لاستكشاف طرق إبداعية جديدة وتجربة أساليب مختلفة، بما يشبه جلسات العصف الذهني، غير أنه لا يمكن أن يكون بديلاً عن الفكر الإبداعي للمؤلفين. فالأصالة والإيقاع والعواطف والأصوات المتفردة للكتّاب هي التي تحافظ على اللمسة الإنسانية والسحر الشخصي للنص الإبداعي، وتجعل منه عملاً متفرّداً بلمسة شخصية لا يمكن استبدالها بما تُنتجه تقنيات الذكاء الاصطناعي.”