لكونه كتب بيد أجنبية خبراء: قانون تنظيم أعمال التأمين لا يخدم الشركات الخاصة

18

بغداد/ مصطفى الهاشمي

مرّ قطاع التأمين في العراق بمراحل متعددة أبرزها النشوء، والنمو، والاستقرار، ومن ثم الانتكاس. فالتحول، وكل هذه المراحل جرت في القرن الماضي ومطلع الألفية الحالية، التي شهدت ظهور وانتشار عدد كبير من شركات التأمين الخاصة دون تقديم أي تطور في واقع هذا القطاع الاقتصادي المهم.

ما زاد الطين بلّة هي بعض فقرات قانون تنظيم أعمال التأمين رقم 10 لسنة 2005، التي أباحت للشركات الاستثمارية التأمين على مشاريعها في العراق لدى شركات تأمين من مواطنها، أو شركات تأمين غير عراقية، ما تسبب بخسارة ملايين الدولارات وتسربها إلى الخارج.
الحروب وتداعياتها
بحسب المختص في شؤون التأمين مصباح كمال، فإن بعضهم يعزو تراجع أداء القطاع إلى الحرب العراقية – الإيرانية 1980 – 1988 وتبعات العام 1990، كما يمكن أن نضيف إليها سنوات العقوبات الدولية 1990 – 2003، التي أسهمت بشكل مباشر في تآكل دخل المواطنين، بحيث أصبح شراء الحماية التأمينية ترفاً لا تقدر عليه إلا قلة منهم، فضلاً عن العام 2003 وتداعياته.
يقول كمال في حديث لـ “الشبكة العراقية”، ناقلاً ما ورد في ورقة قدمتها شركة التأمين الوطنية: إن “قانون تنظيم أعمال التأمين رقم 10 لسنة 2005 كتب بقلم أجنبي جاهل، فهو لم يشر إلى قانون شركات التأمين رقم 74 لسنة 1936 (العهد الملكي)، ولا إلى قانون شركات ووكلاء التأمين رقم 39 لسنة 1960 (الجمهورية العراقية الأولى)، أو قانون تأميم بعض الشركات والمنشآت رقم 99 لسنة 1964 (نقطة تحول أساسية)، أو قانون الشركات رقم 21 لسنة 1997 (نهاية التأميم وبدء تأسيس شركات التأمين الخاصة).”
تسرب الأموال
يضيف كمال: “لقد وفّر القانون المذكور الغطاء القانوني للتأمين خارج العراق لدى شركات تأمين أجنبية غير مسجلة في العراق وغير مرخصة، لكن الملاحظ، وبشهادة شركات التأمين العراقية ومستشاريها القانونيين، أن شركات التأمين الأجنبية غير المسجلة لدى وزارة التجارة، وغير المجازة من قبل ديوان التأمين، تقوم بالاكتتاب بالأعمال العراقية في أوطانها، وبذلك تحرم شركات التأمين المحلية المسجلة والمجازة من قبل الديوان، وتدفع الضرائب والرسوم عن نشاطها إلى خزينة الدولة، من حقها القانوني في الاكتتاب بأعمال التأمين”.
وأكد كمال أن “هذا الوضع تسبب بخسارة شركات التأمين المحلية ملايين الدولارات من الأقساط، مثلما خسرت الخزينة إيرادات رسم الطابع على وثائق التأمين، وكذلك إيرادات الضريبة على شركات التأمين بسبب الاختلالات الواضحة في القانون المذكور”.
دور الديوان
ورأى أن “ديوان التأمين مُلزم بالقيام بدوره في مجال زيادة الوعي التأميني، وفق ما جاء في المادة 6 – البند / 4 من القانون نفسه، التي كرست لتنظيم قطاع التأمين والإشراف عليه وتطويره وتأمين سوق مفتوحة وشفافة وآمنة مالياً، ولتجميع المدخرات الوطنية وتنميتها واستثمارها لدعم التنمية الاقتصادية، كما يمكن للديوان القيام بزيادة الوعي التأميني وإجراء الدراسات والبحوث التأمينية وطباعتها”.
نقاط سلبية
لمعالجة اختلالات قطاع التأمين، ينبغي الوقوف على النقاط السلبية التي جاءت في قانون تنظيم أعمال التأمين في العراق، ورفع المذكرات من قبل شركات التأمين العراقية إلى مجلس النواب، بغية إلغاء تلك النقاط، أو تعديلها، أو حذفها، واستحداث فقرات من شأنها خدمة الاقتصاد الوطني من قطاع التأمين.
ويمثل قطاع التأمين في العراق، إلى جانب ديوان التأمين التابع إلى وزارة المالية، وجود 3 شركات تأمين حكومية، (شركة التأمين الوطنية، وشركة التأمين العراقية، وشركة إعادة التأمين)، فضلاً عن جمعية التأمين، مع 33 شركة تأمين خاصة، وفرعين لشركتي تأمين أجنبيتين.
الشركات الخاصة
يقول المدير المفوض لشركة الأندلس الخاصة للتأمين، المهندس علي قاسم، في حديثه لمجلة “الشبكة العراقية”: إن “قانون تنظيم أعمال التأمين رقم 10 لسنة 2005 لا يخدم شركات التأمين الخاصة، على الأقل في الوقت الحالي، وإن القانون المذكور غير منصف في بعض فقراته لشركات التأمين أو لواقع التأمين في العراق في الفترة الحالية على الأقل.” مؤكداً أنه يحتاج إلى تعديل.
وعن تقديم شركته إلى جمعية التأمين مقترحاً للتعديل قال قاسم إنه “لم يُطلب منهم ذلك، لكون دور جمعية التامين محدوداً، إذ يجب أن تكون الجمعية أقوى، ودورها الآن شبه مهمش، علماً أن رئيس الجمعية لا يألو جهداً، وبالرغم من ذلك فهو لوحده لا يمكن له أن يعمل فرقاً في واقع التأمين في البلد”.
إلزام الشركات
وأضاف: “ورد في القانون نفسه وجوب تأسيس جمعية للمؤمَّنين ومعيدي التأمين، وقبل فترة نوقش هذا الموضوع، لأننا بحاجة إلى تعديل فقرات في قانون تنظيم أعمال التأمين رقم 10 لسنة 2005، منها تحديد أو إلزام الشركات بنوع واحد من التأمين (إما على الحياة، أو أنواع أخرى من التأمين وليس جميعها)”.
وتابع: “هذا بحد ذاته غير منصف للشركات التي أسست بعد العام 2005، إذ يجب أن يشمل القانون جميع الشركات في هذا الجانب، وألا يميز بين شركات قديمة وأخرى جديدة، لكي تعم الفائدة على الجميع، فعند دخولنا إلى مناقصة حكومية، يشترط علينا التأمين على الحياة وبخلافه نحرم من المناقصة، وهذا شيء غير صحيح في أعمال التأمين”.
تعميم التأمين
ويؤكد : “من حق شركات التأمين ممارسة جميع أنواع التأمين، أسوة ببقية دول العالم التي تتيح لشركاتها حرية اختيار نوع التأمين، لا إلزامها بنوع محدد فقط.” داعياً إلى “تعميم التأمين في جميع مفاصل الحياة، من المباني والحريق وسرقة السيارات وغيرها، لذا يجب تعميم الوعي التأميني وإلزام الجميع به، ونطالب ديوان التأمين بدعم أكبر من خلال زيادة ملاكاته العاملة لكون عدد موظفي الديوان لا يغطي جميع معاملات الشركات الخاصة”.
وأشار إلى “ضرورة دعم شركة إعادة التأمين كونها معيد التأمين الحكومي الوحيد، إذ من المفترض منح شركاتنا الخاصة رخصاً لممارسة أعمال إعادة التأمين، بعد وضع سياسات خاصة برأس المال لدعم القطاع الخاص في مجال إعادة التأمين، لأن ما يجري الآن هو إفادة الشركات الأجنبية بمبالغ إعادة التأمين، التي ينبغي أن تكون داخل العراق، وليس خارجه. وبذلك يتم دعم قطاع التأمين الوطني، بدلاً من أن يبقى على واقعه الحالي، إذ إن نمو قطاع التأمين الخاص من شأنه أن يوظف الشباب العاطل بتوفير فرص عمل مناسبة، كما أنه سوف يسهم في الحد من عمليات غسل الأموال.”
وعن مدى قدرة السوق على تحمل عدد شركات التأمين الكبير قال قاسم: “إذا أدير قطاع التأمين بصورة صحيحة، فإن السوق ستتطلب المزيد من شركات التأمين”.
حصص الشركات
بدوره، يشير المدير المفوض للشركة ذاتها، جورج فرح، إلى أن تعداد سكان العراق يبلغ 40 مليوناً، تقابله نحو 40 شركة تأمين، وبحسبة بسيطة، فإن كل شركة ستكون حصتها مليون مواطن تغطي جميع وثائقهم التأمينية.
ويرى فرح في حديثه لمجلة “الشبكة العراقية” أن “التحجج بأن الوضع الاقتصادي للبلد غير سليم، هو بعيد عن الواقع، بدلالة وجود عمالة أجنبية وعربية في العراق، ما يؤكد سلامة اقتصاد البلد، لكنه بحاجة إلى ترتيب أوراق وتنظيم فقط.”، مبيناً أن “الجمهور ليس بحاجة إلى ثقافة تأمينية بقدر ما يحتاج إلى قيادة تنظيمية لعملية التأمين”.
التصنيف الائتماني
وشدد فرح على “ضرورة أن تدرج في قانون التأمين فقرة تصنيف الشركات الخاصة ائتمانياً، لأنها سوف تسهم في إيجاد بيئة مناسبة للمنافسة في سوق التأمين العراقية، لأن التصنيف يميز الشركات الفاعلة عن غيرها”. مضيفاً أن “القانون المذكور لا يخدم الشركات الخاصة بوضعه الحالي، ونحتاج إلى من يوصل صوتنا بهذا الخصوص، لأن دور جمعية التأمين محدود”.