أفكار استثمارية.. من الصفر إلى النجاح
رجاء الشجيري
لكل منا ضوء قدرة يتفوق به عمن سواه إذا أتقن استخدامه وتوظيفه، وعمل عليه بتركيز لتطويره في تحقيق أحلامه ومشاريعه وأهدافه، والنماذج وقصص البدايات كثيرة لمن بدأوا من الصفر تماماً ليحققوا النجاح وتصبح مشاريعهم كبيرة ومهمة.
هنا سنختار نماذج عالمية ومحلية كحوافز لكل من لا يؤمن بقدراته وماذا يستطيع أن يفعل إذا ما توجه بشكل صحيح ومدروس…
بنيامين جراهام
(برايس بريتشيب)، في كتابه (أنت تربيع)، يطرح التحدي في تغيير نمط التفكير ومحدودية الأفكار والإمكانيات في العمل، إلى الانطلاق ضمن رؤيا تعزز سبل الوصول إلى النجاح، دون الاستماع للمخاوف، إذ يؤكد أن الخوف الحقيقي هو عدم السعي لتحقيق أحلامك وأهدافك والوصول إليها..
ولعل أول الأمثلة هو (بنيامين جراهام)، الذي كان اقتصادياً ومستثمراً بريطانياً، ألّف العديد من الكتب لشرح وتعليم المستثمرين مبادئ وأساسيات الاستثمار الذكي والناجح، فكان من أهم كتبه (المستثمر الذكي)، الذي تناول بنيامين فيه ستراتيجيتين مهمتين هما: ستراتيجية التحليل المالي، وستراتيجية استثمار القيمة، ليقتدي به وبستراتيجيته المستثمر(وارن بافيت)، وهو من أهم المستثمرين في العالم، ومالك شركة (بيركشاير هاثاواي)، وصاحب مقولة (هناك أشخاص يتمتعون بالظل لأن أحدهم زرع شجرة)، إذ استثمر في شركته هذه عشرة آلاف دولار في بدايتها عام 1965 ليصبح الآن يملك 165 مليون دولار.
من عامل نظافة إلى مستثمر
من النماذج الناجحة أيضاً كان (هاري وين)، الذي بدأ كعامل نظافة، ثم بعد عشر سنوات استولى على 133 شركة قمامة وبإيرادات سنوية تصل لأكثر من 32 مليون دولار.
ولد هاري عام 1937 في عائلة فقيرة جداً، وهو بعمر 15 سنة عمل سائق أجرة، وفي محطة بنزين، ولم يكمل دراسته. ظل يعيل والدته بعد وفاة والده، وتزوج فزادت مصاريفه ومسؤولياته، ولم يجد أية وظيفة تناسبه، ففكر أن يحدد هدفاً واحداً يجيده ويطوره، وهو أن يستمر في العمل كعامل نظافة، فظل يعمل لدى شركات قمامة في سياراتهم، وشيئاً فشيئاً قرر أن يشتري سيارة نظافة خاصة به، وهو من يكون صاحب شركة قمامة، اشترى أول سيارة لمشروعه بمبلغ خمسة آلاف دولار، ولأنه لا يمتلك أي مبلغ قام بأخذ (سلفة) من والد زوجته ليشتريها، وبدأ يعمل ليل نهار لينجح وتكبر شركته الخاصة بجمع القمامة، وباتت شركته تكبر وتكبر ويزداد الموظفون والسيارات والإيرادات فيها، إذ بلغت عوائده المالية عام 1971 نحو 82 مليون دولار، و60 ألف موظف، و600 ألف عميل.
وكذا كان بذات العمر المقارب لهاري وين (جيسي ليفرمور) الذي بدأ بعمر 16 عاماً بالمضاربة في سوق الأسهم ليصبح من أقوى وأشهر المضاربين بالبورصة في العالم، إذ أصبحت قيمة أرباحه في تزايد مستمر، وقد عمل وفق ستراتيجية الاستثمارات التي كانت قصيرة الأجل في الأسهم، ما عزز نجاحه وأرباحه.
أما (جنسن هوانغ)، صاحب شركة (نيفيديا NVIDIA) الذي قال عام 2003 “لا أحتاج لتغيير العالم بين ليلة وضحاها، بل سأغير العالم خلال الـ 50 عاماً المقبلة.”فقد تفوقت شركته نيفيديا عام 2024 على عمالقة التكنلوجيا (أبل ومايكروسوفت) وأصبحت الأكثر قيمة.
شركة جراب Grab
المخصصة للنقل
أسسها شاب جامعي اسمه (أنثوني تان) برأسمال بسيط جداً، لينافس بعد ذلك شركة (أوبر) ويتفوق عليها. بدأت فكرة تان مع شريكته في الدراسة (هوي) وحديثهما عن سوء خدمات النقل بالأجرة، خاصة بالنسبة للنساء، فقاما بدراسة فكرة هذه الشركة للسيارات، وقاما بتأسيس التطبيق وإقناع السائقين بالانضمام للتطبيق، إذ كانا يذهبان إلى محطة الوقود وتجمّع السائقين في الرابعة فجراً لتقديم القهوة لهم مجاناً، ليشرحا لهم كيف يعملون بالتطبيق، إلى أن نجح المشروع وتوسع في جنوب شرق آسيا، حتى وافقت شركة (أوبر) عام 2018 على بيع أعمالها لصالح شركة تان الناشئة، وعام 2021 دعمتها كبريات المؤسسات، مثل مجموعة (سوفت) اليابانية، وتبلغ قيمة (جراب) السوقية الحالية مليارات الدولارات.
نجاحات محلية
بعد كل هذه الأفكار والنجاحات العالمية لأصحاب المشاريع الناجحة وبداياتهم، كان هناك الكثير من التجارب الاستثمارية المحلية الناجحة أيضاً، ولأنها كثيرة سنذكر نموذجين، الأول نجاح صاحب سلسلة (مطاعم صمد)، وهو كاكا صمد، القروي البسيط الذي لم يكمل دراسته الابتدائية بسبب وضعه المادي الصعب، جاء إلى مدينة كركوك ليعمل (كببجي) ضمن (جنبر بسطية) صغير ليبيع الكباب والعروك والمشويات، إلى أن أصبح (خلفة كباب) في احد المطاعم، وبعد نجاحه جاء إلى بغداد واتفق مع أحد المطاعم أن يشتري حصة من المطعم. بعدها افتتح مطعماً في كركوك، ثم عاد إلى بغداد ليفتتح أول فرع له في المنصور، ثم افتتح فرعاً ثانياً باسم ابنه (بيستون) في المنصور أيضاً، وهكذا أصبحت له فروع في الجادرية وأربيل ودبي. سر نجاحه يقول كاكا صمد إن الطريقة هي ذاتها لم تتغير أبداً في الطبخ، وإنه كان يدخل مطابخ مطاعمه مع العمال ليعمل معهم.
اما النموذج المحلي الناجح الثاني فهو (زقاق 13)، بدأت قصة هذه التصاميم عام 2017، إذ قام صاحب هذه الفكرة الشاب (حسين المعالي) باختيار خامة (تيشيرتات) شبابية، وتنفيذ تصاميم ورسومات وتخطيط جمل بغدادية عليها، وفكرة هذه التصاميم مستوحاة من الشارع ورمزيات الماضي سواء بصور أو (قفشات)، أو قصص وعبارات بغدادية مثل (شكو ماكو، تبسي، عزيزي عزوز، جلجل عليه الرمان، حجي راضي، بغدادية، صوبة علاء الدين) وغيرها. وهي تمثل الشباب وأفكارهم لتنتشر بينهم وتلقى رواجاً كبيراً، ليصبح زقاق 13 (براند) في العراق، ويسوق إلى العالم عن طريق البيج والموقع الإلكتروني. المعالي له فريق من المصممين والخطاطين، فهو يطبع على الملابس والأكواب والحقائب والبوسترات ليعد مشروعه الشبابي مثالاً ناجحاً بين الشباب.