الذكاء الاصطناعي والتأليف الأدبي
أحمد سعداوي
في ظل الجدل المتزايد هذه الأيام حول الذكاء الاصطناعي واستخداماته المتنوعة، والمخاطر التي يمثلها، ولاسيما في المجال الإبداعي، يظل الإضراب الذي قامت به نقابة كتّاب أميركا (WGA) في 2 مايو- أيار 2023، هو الحدث الأبرز ضد الذكاء الصناعي.
تمثل النقابة مصالح كتّاب الأفلام والتلفزيون والإذاعة والوسائط الحديثة، وكان الطرف المتضرر من الإضراب هو شركات الإنتاج السينمائي. ولم ينته الإضراب إلا بعد مفاوضات معقّدة مع تحالف منتجي الأفلام والتلفزيون (AMPTP) انتهى إلى مجموعة من القرارات، أهمها؛ عدم السماح للذكاء الاصطناعي بكتابة أو إعادة كتابة المواد الأدبية، كما يمنع استخدام الأعمال المشمولة باتفاقية WGA لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي، وأن تكون حدود استعمال الذكاء الاصطناعي في كتابة (السيكربت) السينمائي في حدود أنها (أداة مساعدة) وليست وسيلة خلق إبداعي.
المسألة التي على المحك هنا ليست اتخاذ موقف ضد التكنولوجيا، وإنما هي “لقمة عيش” الكتّاب، الذين قد ينحّيهم الذكاء الاصطناعي عن أدوارهم التقليدية. بالإضافة إلى جانب الاحتيال المتضمن في عمل الذكاء الاصطناعي في قضايا التأليف. فهذا الذكاء لا (يخلق) أو (يبدع) شيئاً جديداً، فهو بلا مخيّلة، وإنما هو يعيد توليف مقاطع وحبكات وشخصيات من نصوص سابقة جرت تعبئتها في ذاكرته الحاسوبية سلفاً.
إن موافقة تحالف منتجي الأفلام والتلفزيوني الأميركي على شرط عدم تعبئة ذاكرة الذكاء الاصطناعي بنصوص المؤلفين الأحياء الأميركان، لن توقفهم عن تعبئة هذه الذاكرة بنصوص مؤلفين غير أميركان، أو من الكلاسيكيات الأدبية، ومن كتّاب ميتين. وسينتهي الأمر الى تطوّر الذكاء الاصطناعي مع تقدم الزمن، وتحسين كفاءته (الأدبية)، شئنا أم أبينا. من دون الجواب طبعاً على السؤال الأخلاقي حول حقوق الملكية الفكرية ومدى الانتهاك الذي يقوم به الذكاء الاصطناعي لحقوق المؤلفين، حتى لو كانوا موتى.
قد يكون من المستبعد أن يصل أي من تطبيقات الذكاء الاصطناعي إلى (روح) الخلّاقية الإبداعية البشرية، ولكنه سيحصل خلال ذلك على العديد من المهارات الأدنى من هذا الهدف الطموح شبه الخيالي. وهي مهارات يمكن أن تندرج تحت خانة (الأداة)، كما حصل سابقاً مع ظهور الحاسوب والطباعة الإلكترونية، وبرامج التصميم والمونتاج، وغيرها من مفردات تشكل عالمنا اليوم، وكل وجودها يعتمد على فوتونات ضوئية على شاشة مسطحة.
هناك تطبيقات ذكاء اصطناعي ما زالت بدائية ولكنها تتطور بسرعة، ستحيل مهنة “المصحّح اللغوي” إلى التقاعد، بالإضافة إلى تطبيقات تعيد إنتاج ما تكتبه لكي يكون على وفق أسلوب نجيب محفوظ أو فؤاد التكرلي أو غارسيا ماركيز.
حتى مهنة التنضيد، أو الصفّ الضوئي، ستحال إلى التقاعد مستقبلاً، مع تحسّن كفاءة تطبيقات الكتابة من خلال الإملاء الصوتي. أما في مجال السينما والصورة فالأمور تتسارع بشكل كبير. وقد نصل إلى لحظة يمكن فيها لصانع محتوى واحد إنتاج فيلم بتقنيات ومؤثرات متنوّعة، بل وحتى بممثلين افتراضيين يصنعهم من خلال تعبئة الذكاء الاصطناعي بمواصفات يرغبها.
خارج هذه الصورة، فإنه من المناسب أن نتذكر أن الذكاء الاصطناعي لم يصمّم خصيصاً لتحدي الكتّاب والمؤلفين، وإنما لأن لديه تطبيقات في مجالات واسعة في حياة الإنسان المعاصر، في الطب والهندسة والتصنيع وبناء نماذج روبوتات تدخل الأماكن الخطرة، وما لا يحصى من المجالات. ويمكن للكتّاب والمؤلفين استعماله لـ(مساعدتهم) في تطوير حبكاتهم الأدبية، أو لتوفير المعلومات الدقيقة التي يحتاجونها في الكتابة، ولكن، من دون المجازفة بالتصديق أنه (فانوس سحري) يمكن أن يؤلف لك عملاً أدبياً أو فنياً حقيقياً خلال قيلولة تأخذها ما بعد الظهر.