عرب وقبارصة
جمعة اللامي
“تستحيل الحياة مع النساء، وتستحيل بدونهن”
(أرسطو)
حدثني غريب المتروك، قال: حدثني صديقي “عبد الله الخسران”، قال: جمعتني سفرة سياحية، في بداية العقد الثامن من القرن الماضي، بمجموعة عربية من الرجال والنساء اتخذت جزيرة قبرص مستقراً مؤقتاً من أجل الاسترواح والاستئناس بالبحر الأزرق، والأرض الحمراء، ورؤية “الحمار” القبرصي الذي طالما تحدث عن ذكائه سكان سورية الكبرى. نزلنا في ميناء “ليماسول” الشهير، فرأينا العجب من حسن الحسان، ومن غنج المرد كالقيان. لكننا – أيضاً – كنا موضع إعجاب وقصد القبارصة الذكور والقبرصيات الإناث، بسبب شوارب ربعنا العرب.
كانت شوارب فريقنا من الذكور طويلة، ومدهونة، ومعطرة، رغم أننا كعرب، نحب لحم الضأن، ولا نقرب لحم الخنزير – أجلّكم الله – الذي يُسرع في إنبات شوارب القبرصيات، كما أسرّت لي قبرصية شقراء. ارتديت ملابسي العربية كاملة، وتبخرت وتعطرت، حتى لقد استحال شاطئ “ليماسول” الساحر إلى سحابة من “دخون”، وحتى صدق قول صاحب الأغنية العربية التي تقول: “أنفاسك دخون”.
كم افتخرت في حينه، بقومي الغرّ الكماة الميامين، وأكبرت عنايتنا بشواربنا المتهدلة ذات اليمين وذات الشمال، خصوصاً عندما توجهت نحوي شابة في الخامسة عشرة من عمرها، وقالت: أووه، يا عزيزي العربي، انضم إلينا. انضممت إلى مجموعة من النساء الجميلات، من أعمار مختلفة، فيهن الشابة التي تفور حسناً وجاذبية، وبينهن التي تجاوزت الخمسين، لكن ملامحها تبرز فتنة، وتظهر رغائب لا يعرفها إلا من خبر سحر الكواعب اللاتي تعدين الخمسين!
أمسكت بي شابة عروب، وقبلتني من خدي، فطار صوابي. واقتربت مني غادة ميساء حسناء، فطبعت قبلة على شفتي، فكنت الذائبا، على حدّ قول المتنبي. ثم أن الخود القبرصيات سقينني عصائر بأكواب من فضة أو ذهب، فتاه فكري، وطارت بنات أفكاري، واختلط الحابل بالنابل عندي.
وحانت مني التفاتة إلى نفسي، وأنا في اوج صحوي وشدة انخطافي، فأخذت أعد الغواني، فوجدت عددهن تسع عشرة فاتنة.
قلت في نفسي: اصحَ، يا عبد الله. ولا تكن مُتهابلاً، فلا بدّ من إرضاء كل واحدة منهن!
لم يسمعني أحد، والحمد لله. لأن الحسناوات انشغلن بأنفسهن، وبعدد من المرد القبارصة الذين هجموا علينا كما تهجم النحلات على من يتطفل على خليتها. ثم مرت ساعات ولا أحد يكترث بي. إلى أن جاءني نادل وقال بلهجة عربية: قمْ يا أخا العرب. لا أحد يكترث بك. لقد أكملت النساء بك العدد المكروه.
أخذت أداول حكاية صاحبي المواطن العربي عبد الله الخسران – يقول المتروك – وأنا أدعو الله أن يأمر عزرائيل ليقبض روحي، قبل أن أعرف أن عربنا في كل اللقاءات، باتوا تكملة لعدد غير محبوب!