أنا والشهرة وعزوز!ّ!

1٬016

حسن العاني/

ينظر علماء النفس الى (الوهم) على انه نوع من أنواع الخيال، ولكنه (خيال مرضي)، واعتقد ان (وهم الشهرة)، هو من أكثر الأوهام المرضية شيوعا وانتشاراً، لان رقعته الجغرافية واسعة، وتشمل فيما تشمل ممثلي السينما والمسرح ونجوم التلفزيون والفنانين التشكيليين والصحفيين والشعراء وكتاب القصة والرواية والنقد، زيادة على المطربين والملحنين ومؤلفي الأغاني والمبدعين في شتى العلوم التطبيقية والانسانية..

اعترف مع شديد الحياء، انني بلغت في ثمانينات القرن الماضي، ذروة الوهم، عندما تصورت ان شهرتي الصحفية، قد تخطت شهرة سامية جمال، بل وشهرة مارلين مونرو، ذلك لانني كنت اكتب للإذاعة ولمجلتين وثلاث صحف، هذا غير زاوية بعنوان (عزيزي عزوز) لمصلحة (الف باء) المجلة، وهي زاوية متعبة جداً، وتقوم على نوع من اسئلة القراء، ونوع من الردود، القصيرة جدا اللاذعة جدا، المرحة جداً، وكانت هذه الزاوية تظهر من غير اسم!

في عام 1989 تعرضت لحالة مرضية انهكتني، وكادت تودي بحياتي نتيجة عدم تشخيصها من عدة اطباء، الى ان عرضت نفسي لاحقا على الدكتور “سعد الوتري” الذي شخصها حتى قبل اجراء الفحص السريري، جزاء الله عني وعن علمه ألف خير، وفي اثناء تلك المراجعات الواسعة، اتصل بي الزميل العزيز والصديق الصحفي “حاتم حسن” ذات مرة، وطلب مني مرافقته الى المستشفى، لانه يعرف هناك طبيباً (عبقرياً) … وهكذا قصدنا الدكتور المذكور، ولكن سوء الحظ انه لم يكن موجودا فاضطررنا الى مراجعة طبيب آخر، وشاءت المصادفة ان نجد في غرفته عدداً من طلبة الكلية الطبية، ربما (يطبقوا) أو يتمرنون…. القينا التحية على الجميع، وإذا الرد يأتينا أبرد من شباط السليمانية، ولكي يتدارك صديقي حاتم الموقف، قدمني لهم على النحو التالي (الصحفي الكبير: الأستاذ حسن العاني، الغني عن التعريف)، وجاء الرد هذه المرة ابرد من شتاء موسكو، غير ان زميلي المشهور بعناده وصلابته لم يستسلم، وراح يعدد مناقبي، والصق بي عشرين تهمة ابداعية، انا بريء منها، واقسم لو ان صديقي خص صدام حسين بواحدة من تلك المناقب أو المدائح، لاكرمه طائرة من غير طيار… في الحد الأدنى!! ولم نسمع هذه المرة أية كلمة، وأي تعليق، كان الجميع منصرفين عن ثرثرتنا الفارغة أو مدائحنا الجوفاء، الا أن هذا الصلب (الصليف) لم يسكت ولم يحترم نفسه ولم يقدر مشاعري التي تهزأت بامتياز، فإذا به يبتكر اسلوبا جديدا ماكان ليخطر على بالي يوماً وهو يقول لهم (يااخوان… بالمناسبة تره استاذنا الكبير حسن العاني هو الذي يكتب زاوية “عزيزي عزوز” في مجلة الف باء)، في تلك اللحظة التاريخية، الخارجة عن اي توصيف، حدث شيء غريب، فقد تركوا “مشاغلهم” واحاديثهم، وانصرفوا الى الترحيب بنا بتعابير ساخنة، وتيقنت وأنا في قمة الذهول، بان “الف باء” من صدام حسين، على غلافها الأول، الى غلافها الأخير، وبكتابها وكاتباتها (ومن ضمنهم حسن العاني) وبزواياها واعمدتها واقسامها، لايمتلكون “ربع” مايمتلكه “عزوز” من شهرة!!

تواصل الاحتفاء بنا حتى تخلى اثنان منهم عن مقعديهما، فيما سارع الثالث واحضر علبتي بيبسي كولا، وتعاونوا مع أستاذهم على فحصي فحصاً يليق بالرفيق (المناضل) علي حسن المجيد، و…. وحين غادرت المستشفى، كنت خاوياً من الداخل، بعد ادراكي ان نرجسيتي أوهى من بيت العنكبوت، وشهرتي لاتعبر من الرصافة الى الكرخ، وكل ماكنت اسميه (تاريخي الابداعي) هو محض وهم، ومن يومها تحررت من أوهامي، وشفيت من مرض الشهرة، بعد ان تلقيت صفعة علاجية موجعة، من كف شخص يدعى “عزوز” طالما ترفعت عليه، وتصورت انه لايساوي فلسين بالنسبة لي، فإذا أنا الذي لا أساوي “فلساً” بالنسبة له!!