الأغنية الجديدة من قمة الرومانسية الى منتهى الاسفاف
أسلوب ومخاطبة الحبيبة تفاوتت جماليته وتعاقبت بين الأجيال، لغة الغزل واللوعة والعتب والمناجاة من قمة الرومانسية في المفردات وتشكيل الصور الشعرية إلى منتهى الاسفاف والتهديد والوعيد بالحبيبة.
لغة العصر هل شوهت صورة المحبوبة أم ارتقت بها أو في الأقل جارتها في المضمون والجمال؟ ما الذي حصل ليتحول الغزل إلى هجاء؛ والمدح إلى ذم؛ والعتب إلى هجوم وتنديد؟
لألىء في الوصف
الحبيبة تنعمت بأجمل الأوصاف والمفردات التي دللتها حتى وهي تهجر وتترك الحبيب، على لسان الشعراء والمطربين في فترات ذهبية شكلت أروع المضامين الشعرية والطرب على حد سواء في مناجاتها ومخاطبتها، فكنا نترنم مع مظفر النواب حين يقول:
اشكد نده نكط عالضلع
ونسيت اكلك يمته
اشكد رازقي ونيمته
واشكثر هجرك عاشر ليالي الهوى ومالمته
انت سحنت الليل بكليبي وكلت موش انت
ياما التراجي مرجحن حسك الصافي وغفه
وياما سفحتلك بالليالي دموع جانت ترفه
أو عندما يقول (جفنك جنح فراشة غض وحجارة جفني وما غمض)، أو تطل علينا أروع الأمثلة في ثلاثية كل من الشاعر والملحن والمطرب حين تتوحد عاطفتهم في أغنية (يا حريمه) التي كتبها الشاعر ناظم السماوي أيام سجنه في “نكرة السلمان” عندما أحب فتاة كانت تتردد إلى زيارة شقيقها في السجن ليأتي بعد ذلك خبر زواجها، فكتبها بأجمل لغة حبّ وخذلان وعتاب، ليلحنها “محمد جواد أموري” وقد صادف أن كان يمر بتجربة مرة أيضاً وغناها حسين نعمة بإحساس عايش الروحية المكملة لها ليصنعوا بذلك جميعهم درة “يا حريمه”:
يا زلف يتغاوى ويه الليل باطراف الكصيبة
هاك روحي الما غفت والطيف ما مره حبيبه
مجاراة وامتداد
جيل الشباب اليوم انشق إلى قلّة حافظت على إرث من سبقوهم في الشعر والأغنية، وكان للحبيبة معهم مضامين الدلال والجمال والتغزل والمناجاة. وإلى أغلبية أصبحت المحبوبة معهم في خبر كان.
ومن الأمثلة المشرقة من جيل الشباب الآن لفت نظرنا شاعر شاب كان مجارياً لفرادة شعر من سبقوه في كل ألوان مخاطبة الحبيبة وهو (يوسف الدراجي) حيث يقول لحبيبته:
روحي غمضت يله كللها حلال
يل بيك كل خطوة ملح
صيح انت نازل وين ميصحلك جرح
جنت خايف الكه وجهك خاتل بهوسة جروحي
بضحكتك لون اريد اصبغ غرفتي
غركان والصفنه نهر
صاحن جفوفي الك حد ما عمن
ما درت اذنك يلقميصك بيه عطر ضحكة وطن.
تهديد وتنكيل
إلا أن الغالب الآن بعد امتداد جيل عقب جيل مخاطبة شديدة اللهجة تجعل من الحبيبة محلّ انتقام وكأنها تحولت إلى عدو لابدّ من الانتصار عليه والنيل منه.
فمن أمثلة قسوة المخاطبة للحبيبة يقول ضياء الميالي:
لم روحك الليلة وروح وابعد قبل ما اعوفك
مليتك صرت يفلان اشوف العمة ولا اشوفك
ليصل الميالي ذروة القسوة والمبالغة في حق النساء حين
يقول (خيرتهن النسوان من تغدر توافي)!
ليعلن بعدها علي الفريداوي حالة حرب ضد الحبيبة:
بيان اعلنت فوري واضطراري وياك
على كلبي وعيوني اليوم ينسونك
فلتسقط رموشك اذا جنها سيوف
فليسقط جمالك تسقط عيونك
راح ادخل حرب صبرك بدون سلاح
واشمت بيك كل الما يكدرونك
واجبرك تنسحب متعذب ومكسور
واشلع ضحكتك من لمعة اسنونك.
الأغاني الهجومية أو الهابطة
واذا بالحبيبة تصل إلى أهبط المفردات وأشنعها في أغاني بعض الشباب ضمن موجة اعتقدت أن النجاح مرهون بهذه الأساليب في المخاطبة مثل أغنية (بتل البتل!) او (اليوم اكلك شوف اسمعني وافهم زين من هسة كلشي يصير ماكو عتب بعدين)!
او أغنية (روح بابا على غيري انت مو كد جرحي مو سهل تلعب علي اني اقره الممحي روح بابا اتجفه شري!) أو حين يهددها بأغنية أخرى (اصبريلي لخلي دموعج بعينج مثل غيمة تبجيلي)، وآخر يغني(إذا اشعل واطفي ضوه الباب يعني لوحدي وكل اهلي غياب)!.
فهل وصل الأمر بالحبيبة إلى أن تخاطب بلغة التحشيش والتهديد والانتقاص بدل الغزل وهو أسمى لغة في الكون، وإلى أين وأين ستصل أوطان الحبيبة وقد رحل محبوها عن التغزل بها؟
وهل مهاجمة الحبيبة على لسانهم نتيجة قصور شعري وإبداعي أم هو محاولة واعتقاد منهم بمجاراة لغة اليوم؟ تبقى أسئلة تطرحها ذائقة المتلقي لما تبدد وضاع من المضامين.