عزلة المثقف

880

كاظم حسوني/

يقتصر عطاء عدد غير قليل من الأدباء على الاكتفاء بكتابة قصة أو قصيدة أو نص آخر من الضروب الأدبية، من آونة لأخرى.. ومحاولة النأي بعيداً عما يجري حوله من تغييرات مكتفياً بالمساهمة بهذا النص أو ذاك، مرتضياً ان يكون له وجود هش، متغافلا عن أن الكتابة في حقيقتها لم تكن اساساً سوى معاناة وفعل انساني وسعي جاد، على عكس من هو غارق في عزلته من دون أن تفجر فيه التحولات القدرة على الفعل والحركة التي تستدعي الارتباط باليومي والمعيش الذي من شأنه ان يزيد من خبراته – اي الكاتب – وتوسيع رؤيته وانضاج تجربته، فالمثقف الذي يعي مهمته يسارع دونما تردد للدخول في خضم المتغيرات مدركا ان كثافة الواقع وحركته هما الخلفية المثلى التي يمكن تحويلها الى ابداع، كون الفن ما هو الا انعكاس للواقع.
ولا يمكن ان ينفصل عنه بأي حال من الأحوال، لان الثقافة والممارسة الابداعية عموما تعنيان في أحد الوجوه تعميق أحساس المبدع بالأشياء المحيطة به، وبوصفه مثقفاً ورائياً، يقتضي أن يوطد صلته بمجتمعه، ويكون قادراً على تحليل وقراءة أبعاد الأحداث وفهم دلالاتها ومعانيها، وان يحدس ويتلمس ايقاع التحولات ويدرك اسبابها ودواعيها، بعبارة أخرى ان يكون فاعلاً ومؤثراً، بخلاف من اختار العزلة بدلا عن الانغمار في عملية الحراك والتفاعل السياسي والاجتماعي، متحصناً ببرجه العاجي، مطلقاً من هناك احكامه المرتجلة، ولا ينفك ينسج فيه مدينة الوهم المشيدة في فضاء مخيلته فقط!.. وليس له ارتباط من بعيد أو قريب بمعاناة الانسان ومخاطر العنف، معتمداً على الاحتماء داخل نصه الذي يجود به علينا من موسم لآخر!.
ولا يتعدى اهتمامه إلا ما انتجه من نصي أدبي، من دون أن تخطر بباله التحديات اليومية التي تحدق بالوطن ومستقبله، متناسياً مهمة الكلمة وضرورة تدوين شهادته وتثبيت موقفه بوصفه مثقفاً يحظى بمسؤولية مضاعفة.