هل يؤثر عمل المرأة سلبا على أسرتها؟

1٬465

دينا عبد الرسول/

أصبحت سياسية وعالمة ذرة ورائدة فضاء وسيدة أعمال، وولجت كل ميادين العمل فحققت نجاحات باهرة. ومع ذلك مازال هناك من يجادل في عملها خارج إطار تربية أولادها ورعاية بيتها. ويعتقد أن المرأة العاملة حققت النجاح في عملها مقابل فشلها في بناء الأسرة.

فهل صحيح أن المشكلات الأسرية التي تواجه النساء العاملات إنما ترجع أسبابها لعملهنّ أم أن هناك أسباباً أخرى مسكوتاً عنها، وهل أن ربات البيوت لا يواجهن ذات المشكلات؟

زوجي إلى جانبي

تؤكد سلمى ياسين (مدرّسة) أن العديد من الأزواج يرحبون بعمل المرأة، لا بل أن بعضهم لايتزوج من امرأة لا تعمل، وتقول إنها تمكنت من التوفيق بين عملها وبيتها، مشيرة إلى أن هذا النجاح ما كان ليتحقق لولا وقوف زوجها إلى جانبها. فهو يساعدها في تدريس أبنائها ويعاونها في تحضير واجباتهم وإرسالهم للمدرسة وجلبهم منها.

وتنفي سلمى أن يكون الفشل الأسري مرتبطاً بعمل الزوجة، خاصة إذا ما أحسنت تدبير أمورها ووجدت زوجاً متفهماً لها ولعملها.

مشاكلنا ليست بسبب العمل

تعتقد «رغد فاضل» الموظفة في إحدى دوائرالدولة أن العديد من النساء يتدبرن أمورهن ويوفقن بين واجباتهن المنزلية وعملهن حتى من دون مساعدة الأزواج.

وتضيف: الزوجة العاملة يجب أن لا تتخلى عن التزاماتها تجاه زوجها وأسرتها، كما أن المطلوب من الزوج أن يؤدي واجباته الزوجية. وإذا حصل وفشلت العلاقة بين الزوجين، فالسبب ليس بالضرورة عمل المرأة إنما لأسباب أخرى.
وتقول «أمل جاسم» أنها لا تستطيع أن تتخيل حياتها بعيداً عن الأسرة. فهي كرست كلّ حياتها لأسرتها وأولادها. ولذا فهي لا تفكر في أن تخوض ميدان العمل.

تقول إنها ترى في نجاح زوجها وأولادها وبناتها سواء في العمل أو الدراسة نجاحاً لها. وتضيف: أنا شريكتهم. فكلّ نجاح يحققونه يشاركونني فرحته، وأنا سعيدة بنجاحات زوجي وأولادي. ثم تستدرك «أنا أحب أبنائي كثيراً ولا أستطيع الابتعاد عن أجواء البيت. وكل مايهمني أن أبقى إلى جانبهم وأساعدهم وأسهرعلى راحتهم. وعلى زوجي أن يستمر في سعيه لترتيب أمورنا المادية وتلبية حاجات المنزل. فهذا واجبه وهو لم يقصر به مطلقاً».

أسرتي أهمّ من عملي

«خلود علي» تخلت عن وظيفتها من أجل أبنائها وتقول «لم أتصور أنني سأتخلى يوماً عن وظيفتي كممرضة في مستشفى لأهتم فقط بتربية أطفالي ورعايتهم، لكني فعلت لأني أحبهم ولا أتصور أن مربية يمكن أن تأخذ مكاني. فقد أخافتني القصص التي أسمعها عن تعامل الخادمات والمربيات مع الأطفال وعدم المبالاة بهم».
وتشير الموظفة «سهاد خليل» إلى أن العديد من النساء يضطررن إلى التخلي عن العمل والعودة إلى تربية أطفالهن خاصة إذا ماعجزن عن التوفيق بين بيوتهن وعملهن.

لكنّ معاناة المرأة العاملة تزداد بوجود زوج لا يقدّر وضعها ولا يشاركها المسؤولية في تحمل أعباء الأسرة.
رأي علم الاجتماع

تؤكد الباحثة الاجتماعية «رباب عيسى» أن عمل المرأة بات دعامة أساسية لبناء أسرة متماسكة. وأنه من غيرالمعقول القول أن عمل المرأة يشكل سبباً لتنامي المشكلات الأسرية أو أنه يولد تفككاً أسرياً.

ومع تعاظم مصروفات العائلة بات عمل المرأة يمثل مصدراً أساسياً للدخل تعتمد عليه العديد من الأسر. والواقع أن ما نراه ونطلع عليه يشير إلى البطالة والفقر وعدم قدرة الزوج على توفير متطلبات الأسرة وهو من أسباب الطلاق التقليدية وليس عمل الزوجة.

أما عن تأثير عمل الزوجة على تربية الأطفال، فتقول الباحثة «نحن لا ننكر أن العمل يتسبب بحرمان الأطفال خصوصاً الصغار من أمهم. لكن العائلات التي تعاني العوز يعاني أطفالها مشاكل مختلفة، كما أنهم قد يحرمون من التعليم ويزج بهم آباؤهم في العمل مبكراً».

أعباء مضاعفة

يمكن للنساء العاملات أن يعالجن موضوعة غيابهن بالتركيز على تقديم نصائح مستمرة أثناء وجود المرأة مع أطفالها لتعويض ذلك الغياب.

ويؤكد الطبيب «حيدر حسن» من وزارة الصحة أنه ليس بوسعنا تجاهل المخاطرالناشئة على الأطفال والشباب من تزايد نسبة النساء العاملات، فكثير من الانحرافات التي تصيب الأبناء ندرك بعد أن نبحثها أن الآباء لم تكن لديهم أدنى فكرة عنها، فهم لا يعرفون إنْ كان أبناؤهم يدخنون أم لا، ومن هم أصدقاؤهم وأين يقضون وقتهم خارج البيت. وعندما نسألهم عن سبب تركهم استفحال هذه الظواهر السلبية تكون الأعذار دائماً كما هي: أننا مشغولون بالوظيفة. ولهذا تستطيع الأمهات العاملات تسوية أمور حياتهن الأسرية والمهنية وخلق نوع من التوازن والمرونة. كما يمكن للأم أن تضع برنامجاً يومياً يتضمن تحديد الأولويات التي على أبنائها إنجازها أثناء غيابها عن البيت. والهدف من هذا الجدول هو جعل الأبناء يتحملون جزءاً من المسؤولية ويشعرون بحضور والدتهم المعنوي، فغيابها لا يعني بالضروره الفوضى. ومع هذا فإن الدكتور حسن أشار إلى إمكانية أن تعوّض الأم العاملة عن غيابها لأبنائها، لكننا يجب أن لا نغفل أن لغيابها آثاراً سلبية على العائلة. فالأطفال الصغار هم دائماً بحاجة إلى حنانها، والكبار بحاجة إلى نصائحها ومتابعتها، ولهذا يتطلب أن يكون جهدها مضاعفاً في المنزل وأن تحرص على استغلال كلّ الوقت لتكون قريبة إلى أطفالها وتفهم كيف يفكرون وماذا يفعلون أثناء غيابهم عنها، وعليها أن تنمّي لديهم الهوايات الجيدة وتشجعهم عليها.

وعلى الأم العاملة أن تتوخى الحذر في الحديث عن مشاكل عملها ونقلها إلى البيت. كما يمكن أن تشارك أبناءها ألعابهم وهواياتهم وتحرص على لم شمل العائلة في يوم الإجازة، وبالطبع كل هذا يحتاج إلى دعم من الأب.
لا بديل للأمّ

تقول الباحثة الاجتماعية «وسن حميد» أن بعض الأمهات العاملات يعتمدن بصورة كاملة على رعاية الخادمة لأطفالهن حتى أن كثيراً منهنّ بالكاد يرون أبناءهنّ الذين اعتادوا على وجود الخادمة أكثر من اعتيادهم وجود الأمّ.
وكثيرة هي القصص عن خادمات أسأن تربية الأطفال، فالخادمة قد تملّ بكاء الطفل وتعمل على تأديبه جسدياً بغية إسكاته بأية وسيلة، وكثيراً ماسمعنا عن أطفال فارقوا الحياة بعيداً عن عيون أمهاتهم، أو قد تستغل الخادمة الطفل جنسياً، حيث أن الطفل لا يحتاج فقط إلى من يوفر له أموره وحاجياته اليومية مثل الأكل والنظافة والنوم، وهوالدور الذي يمكن أن تؤديه أية خادمة أو حاضنة، غير أنها لا يمكن أن تمنحه الحنان والحب اللذين يحتاجهما.