كلمة أولى

1٬023

رئيس التحرير/

«يبو عليوي الدنيا خنكة»

كنّا على وشك افتتاح «ليلة الحنين العراقية» على مسرح الحمراء الكبير في دمشق ،عام 1986، عندما طُلب منا تأخير الافتتاح بعض الوقت، لم نكن نعرف السبب أو المشكلة التي دعت إلى هذا الطلب، فانتظرنا نصف ساعة ولم يعد بوسعنا الانتظار أكثر من ذلك، فقد غصّت القاعة بالجمهور وبدأ الملل يتسرب إليه.

فجأة، وبعد دقائق قليلة بدأنا نسمع أصوات هلاهل عراقية تأتي من باب المسرح الرئيس، ثم دخلت جوقة من الشباب قاعة المسرح وهي تحتضن شخصاً لم نتبين ملامحه أول وهلة، وما أن اقتربت الجوقة من خشبة المسرح حتى رأيناه.. إنه مظفر النوّاب في طريقه إلينا.

جاء مظفر من ليبيا إلى سوريا خصيصاً لحضور تلك الليلة العراقية والمشاركة فيها، وكانت فرحة الحاضرين في المسرح بحضور النواب، وهم بالمئات من العراقيين والسوريين، فرحة لا توصف، وقد بذلنا الكثير من الجهد لوقف التصفيق والهلاهل والضجيج، كي نبدأ برنامج الليلة، التي كانت حافلة بفعاليات متنوعة تبدأ من معرض للرسوم الفوتوغرافية إلى آخر للفن التشكيلي العراقي ثم عرض مسرحي قصير وغناء سياسي قبل أن يختتم بقصائد شعرية.

ضاعت علينا ،نحن شعراء تلك الليلة المتواجدين في دمشق، فرصة الاستفراد بالجمهور الكبير، فقد سرق مظفر النوّاب هذا الجمهور برمّته، ولم يترك لنا سوى النزر اليسير من اهتمام هذا الجمهور الذي استمع إلينا، ونحن نقرأ قصائدنا خجلين ومترددين. فقد أضحك النوّاب القاعة بقصائده اللاذعة عن الزعماء العرب ثم أبكاها وهو يقرأ قصائده عن العراق، (صويحب، وجنح أغنيدة، وعشاير سعود، وموحزن لاجن حزين)، وكانت آخر تلك القصائد عنوانها (أبو عليوي)، وهو شخصية ثورية قضت سنيّ عمرها في النضال ضد نظام صدام، وتوفي كمداً في الشام، بعد سنوات من حياة المنفى الصعبة ومن الإهمال وشظف العيش.

رثى مظفر «أبو عليوي»، الذي كان أحد رفاقه أيام الكفاح المسلح في الأهوار، بقصيدة رائعة تدمي القلب. أتذكر منها بعض الأبيات التي تقول:

راجع.. راجع بطرك المواجع

حيل اطك راسي بشبابيجك ندم

ضايع وأدور على ضايع

راجع.. راجع بطرك الدمع ينزل وشايع

كثرت سجاجين الذبح

نوبة اشبّن وآنا واكف

ونوبه اشبّن وآنا واكع.