الهولندية هاخر بيترز: في روايتها “مالفا” هل نبذ نيرودا ابنته الوحيدة وتركها تموت ؟

800

 صلاح حسن /

كيف يمكن لشاعر الإنسانية بابلو نيرودا أن يترك ابنته الوحيدة تواجه الموت وينبذها؟ تضع الشاعرة والكاتبة هاخر بيترز قلماً بيد الطفلة وتطلب منها أن تسرد حكايتها
في واحدة من قصائدها القصيرة تقول الشاعرة والروائية الهولندية هاخر بيترز ( 1972 ) صاحبة رواية “مالفا” ذائعة الصيت وبما يشبه النبوءة:

طيلة الوقت أبحث عن الحبل السري

هذه المرة، الآن، لم يعد موجوداً

اتأرجح على خيط نحيف

لحظة بلحظة، بخطف البصر

من جديد تصبح أنت أنا

وأنا أنت .

مقيدين، فجأةً، مرة أخرى

ومعلقينِ فوق الأرض.

وكأنها تعيش مخاض روايتها “مالفا” التي تتحدث عن ابنة الشاعر التشيلي الشهير وصاحب جائزة نوبل (1973) بابلو نيرودا، التي نبذها أبوها لأنها مصابة بداء الاستسقاء وتركها تموت وهي في سن الثامنة عند عائلة هولندية في مدينة خودا حيث قبرها ما يزال هناك.

السؤال المدمر الذي تطرحه الطفلة المريضة على لسان الروائية هو: كيف يمكن لبطل خالٍ من العيوب أن ينبذ ابنته الوحيدة ويتركها ويرحل.. وهو هنا شاعر الإنسانية بابلو نيرودا؟ تضع الشاعرة والكاتبة هاخر بيترز قلماً بيد الطفلة وتطلب منها أن تسرد حكايتها منذ ولادتها وحتى وفاتها، وهي تبدو الراوي العارف بكل شيء.

يلتقي الدبلوماسي الصحفي بابلو نيرودا بالشابة الهولندية ذات الأصول الاندونيسية ماريا انطونيتا هاخنار في مدينة يافا الاندنوسية “اندونيسيا كانت مستعمرة هولندية” ويتعلق بها حيث يصطحبها معه إلى مدريد محل إقامته وعمله الدبلوماسي وينجب منها هذه الابنة المعاقة “مالفا” مع أنه لم يتزوجها ولم يعرف عن الشاعر أنه تزوج ذات يوم.
وبعد نشوب الحرب العالمية الثانية يقوم نيرودا بنقل صديقته وابنتها المريضة الى هولندا، ثم يترك الاثنتين إلى مصيرهما المجهول.

هذه هي الحقيقة المرة التي كشفها البرفسور التشيلي المقيم في برلين دافيد سخلدلوفسي وتلقفتها الشاعرة والكتابة هاخر بيترز لتصنع منها رواية صادمة في كل المقاييس عن شاعر أذهل العالم بشعره الضاج بالحب والرحمة ومحبة الإنسانية واستحق عليه أفضل جائزة أدبية في العالم هي جائزة نوبل للآداب.

إنها قصة طفل ممنوعة من الإشهار. الناشر “دي بيزخ بي” يضع في موقعه إلى جانب الرواية شريطاً مصوراً يظهر فيه نيرودا وصديقته وابنته المريضة وهي في سن الثامنة.

يصف نقاد رواية “مالفا” بقنبلة الألعاب النارية التي تطلق في الوقت نفسه صوتاً عالياً وضوءاً باهراً للإشارة إلى الحقيقة التي تنطوي عليها الرواية الصادمة. شخصية الطفلة المريضة يشبهها أحد النقاد ببطلة جيمس جويس “المنفصمة” أو بشخصية الولد عند ارثر ميلر “متلازمة داون”.

كتبت الرواية بلغة شعرية عالية وبإيقاع متناغم وكثافة هي أقرب إلى قصيدة نثر طويلة، ولأن فيها الكثير من المنلوغات والتداعيات فقد جاء السرد الشعري في غاية الانسياب والتأثير المباشر وهي بالفعل كما وصفها أحد النقاد الهولنديين أشبه برقصة التانغو .

هاخر بيترز كاتبة هذه الرواية التي ستترجم إلى الفرنسية والإسبانية هي شاعرة في الأصل وأصدرت أكثر من ستة دواوين شعرية فاز اثنان منها بجوائز شعرية راقية حيث لفتت الانتباه بسرعة بعد صدور ديوانها الأول “ما يكفي من قصائد الحب اليوم” الذي صدر عام 1999. رشحت رواية “مالفا” لتكون أفضل كتاب هولندي لسنة 2015 وينتظر أن تصدر طبعته الثانية هذه الأيام.