الفنانة اللبنانية منى نحلة لـ»الشبكة»:الأسلوب التعبيري حررني من قيود الكلاسيكية

1٬442

خضير  الزيدي/

هواجس الانسان، أحلامه وطموحاته وحتى حزنه الظاهر أو المكبوت شكل ركيزة في لوحاتها التي تميزت برصانتها وتعبيرها عن مكنون شخصياتها. وعبر أكثر من معرض شخصي ومساهمات مشتركة، نالت أعمالها الاهتمام، لتكشف عن طاقة فنية هائلة في عالم الرسم. إعطت المرأة في لوحتها مساحة كبيرة من الاهتمام، وكانت النموذج الأكثر قربا منها ومن أفكارها.
انها الفنانة التشكيلية اللبنانية منى نحلة التي حاورتها «الشبكة» في هذا اللقاء:
مساحة للخيال
¶ما سر اهتمامك بالفن التعبيري؟
-لطالما كان الإنسان هاجسي الأول، بمشاعرة الظاهرة والدفينة، الهادئة والعاصفة الحزينة والسعيدة. فضلا عن هواجسه وأحلامه وطموحاته، يأسه وفرحه. كل هذا يجعل منه مادة وموضوعا مثيرا وجذابا, لذا أرى نفسي وانفعالاتي من خلال لغة الجسد وحركيته.
أما الأسلوب التعبيري أو التشخيصية الحرة فقد حررني من قيود الرسم الكلاسيكي إلى التشخيصية التعبيرية التي أعطتني مساحة من الحرية الواسعة لأحرك شخوصي بما يتناسب مع العمل ومن خلال هذا التحوير أجد نفسي في عالمي الخيالي أكثر لأحلق في فضاء اللوحة .
¶يلاحظ أن هناك تأثيرا للفن الغربي بلوحاتك، أي الأسماء العالمية أثر بك أكثر من سواه؟
-كل فنان في انطلاقته الأولى قد يتأثر بأسماء وطرق فنية يتعامل معها، فضلا عن محيطه العام, فما بالك بالفنون التشكيلية، فهذا القطاع يعتمد على العين وعلى الصورة، والحركة التشكيلية تؤثر فيه أن كانت محلية أم عالمية، لكن التأثير يكون بشكل خف وتدريجي ينساب إلى روح الفنان. هي علاقة تفاعلية مع كل ما يحيط به، أنا متأثرة بأسلوب “غوستاف كليمت” وبشخصية الفنان “ جوليان شنابل” الذي استمد منه طاقة تجعلني أكثر جرأة وتبعث في داخلي امتدادا فكريا وتقنيا للاستمرارية في التجريد
منافذ التجديد
¶تبدو المرأة شاخصة في السطح التصويري لديك.. أليس كذلك؟
-أعتقد أن هنالك سببين الأول ظاهري جمالي وهذا يعتمد على ما يمكن تأكيده من أسس في بنائية اللوحة وإعادة فهمها جماليا، حيث أن شكل المرأة ودلالاتها ورمزيتها تسمح بالكثير من الحرية في التشكيل واختيار الألوان والخطوط إلى ما هنالك.
أما الثاني فلكوني امرأة يسهل عليها التماهي مع المرأة ومحاكاتها وعكس مشاعرها وما تمثله من قيم وأحاسيس وهموم ومعاناة، كل هذه جزء من قضية ترافقني وأصر على حملها في لوحاتي.
¶لك أسلوب تعبيري خاص، هل لنا ان نتعرف عن طبيعته من حيث الألوان والتقنية؟
-منذ أن بدأت الرسم، وأنا أمتلك أسلوبي الخاص، فأنا ارسم الأشخاص، ومن حين إلى آخر ادخل في تجارب مختلفة وأغوص فيها كالتجريد مثلا ثم أعود بعدها إلى الأشخاص، ونتيجة المرحلة التي تسبق هذه العودة تطرأ تغييرات على أشخاصي وتتطور لوحاتي من عدة نواحي فتصبح أكثر جرأة وليونة ونضجا فنلحظ التغيير على مستوى الشكل من مجرد ظلال أو خيال أو سيلوات ضبابي بلا ملامح ولا أطراف إلى الظهور بقوة مع ملامح وأرجل وأيد. الآن تواجد الاشخاص أقوى ويتبين ذلك من خلال احتلالهم للمساحة الأكبر في العمل، أما الألوان فاختيارها يتوقف على مزاجي وحالتي النفسية، لهذا تراني مصرة دائمة على أعطاء الرسم منافذ للتجديد لأنه يبعث الأمل في نفسية المتلقي.
¶ إلى أي مدى يمكن أن تكون الرسامة مهتمة بالإسلوب الفني على حساب باقي الدلالات التي تحملها اللوحة؟
-الأسلوب بالنسبة لي هو” اللوحة “ في عين المتلقي، وهو ما يقوم به الفنان من تشكيل واختيارات للألوان والأشكال، وهذا هو “لذة” العمل التشكيلي بالنسبة لي، وهو ما يشدني للعمل يوما بعد يوم حيث أجد نفسي بهذا التماهي تدريجيا, أما الاعتبارات الأخرى فهي تتداخل وتتماشى مع العمل، لتشكل معا لوحة ذات أسلوب يجذب ويدهش المتلقي، يرغبه في أمعان النظر والتدقيق في العمل لاستنباط المعاني الخفية بين الشكل واللون والخامة.
¶ كيف تنظرين لواقع الفن العربي في ظل التغييرات التي رافقت حركة الفن الغربي؟
-الفنانون العرب يواكبون الفن الغربي ويتأثرون بشكل مباشر بحركة الفن التشكيلي في الغرب، بل يجعلون من الغرب مقياسا لنجاح العمل أو فشله على قدر ما يتماشى ويتشابه معه. لقد نجح الكثير من الفنانين العرب باستيعاب وخوض تجربة الفن المفاهيمي، وقدموا أعمالا تضاهي أعمال الغرب، لكن فرض الفن المفاهيمي في عالمنا على أنه الفن الوحيد والمقياس الذي به يقيم الفنان جعل الكثير من الفنانين يبتعدون عن الصدق والعفوية، فترى أعمالا بسيطة تحمل معاني وأسماء رنانة لا تخدم العمل بنظري بل تثبت هشاشته. أنا شخصيا احترم اللوحة كعمل فني جمالي وهي قضية تحمل من سمات الإنسانية طابعا واسعا كما يحترم الغرب هذا أيضا, الفن المفاهيمي في الغرب لم يلغ المدارس الأخرى، لكن في عالمنا هذا ما يحصل للأسف وسيأتي يوم وينتهي كما انتهت مفاهيم الدادائية مع عصرها لتصبح كغيرها مدرسة من المدارس.