“تجريم التحريض الطائفي” محاولة لإنقاذ ما تبقّى من هويتنا الوطنية

926

الشبكة/

الطائفية هي الاسم الآخر لأزمتنا العراقية المستعصية. فمنذ تغيير النظام الديكتاتوري في 2003 كان واضحاً أن العراق مقبل على تشظٍ في الهوية الوطنية وانحلالها إلى هويات صغرى كُبتت طويلاً بسبب قبضة حديدية كانت تسيّر كلّ شيء في العراق وفقاً لرغبة طاغية أوحد.

وبزوال هذه القبضة كان يمكن لهذه الهويّات أن تعيش اختلافها وتنافرها بسلمية وتحضّر من خلال أداء سياسيّ وثقافيّ ومجتمعيّ يليق بوطنٍ بلغ من العمر والتعايش بين مكوناته آلاف السنوات. لكنْ كانت الكلمة الفصل لسياسيين أرادوا مكتسبات آنيةٍ شخصية غالباً بأي ثمن وكيفما اتفق ومهما كانت التبعات التي ستلحق بالجسد العراقيّ.

عنوان الحراك السياسيّ طوال هذه الفترة يمكن تلخيصه بالسعي المحموم من قبل الساسة في الاستثمار بالاسم الطائفيّ. كان الفرز الطائفيّ المؤدي للاحتراب هو الرافعة التي أوصلت هؤلاء الساسة وأبّدتهم في مناصبهم، فهي الطريق الأسهل لاجتذاب جمهورٍ غفير باسمه الذي ظلّ مقموعاً لعقود طوال.

لكنّ هؤلاء المنتفعين الذين ظلوا يراكمون مسكوكاتهم المادية والرمزية لم ينتبهوا إلى الخطر المحدق الذي أشاعوه وهم يكنزون المغانم، لقد زرعوا البذرة الشيطانية التي جعلت العراق منقسماً على نفسه ثقافياً واجتماعياً، وكلّ كيان يتعرض إلى رضّة كهذه هو أقلّ من أن يكون دولة سوية قادرة على جمع أبنائها.

الاقتتال الطائفيّ الذي حدث قبل عقد من الزمن، كان ـ ككل حربٍ ـ بيئة مناسبة لنموّ فطريات ثقافية من نوع خاصّ، فطريات تعتاش على كراهية الآخر والتقذّر منه والتخويف به ومنه، فطريات تزدهر كلما ارتفع منسوب الضغينة بين أبناء الدولة الواحدة.

لن نخدع أنفسنا بشعارات الأخوة والتسامح التي تلقى جزافاً، فبكل أسفٍ أصبحت الطائفية ثقافة لها “مثقفوها” ومروجوها ووسائل إعلامها ومنابرها ورجالها المسلحون بأسلحة فعلية ورمزية معاً. وأصبح الحديث الطائفيّ يتداول بتلقائية ويرسّخ شيئاً فشيئاً هذا الورم الذي يكاد يفتك بالدولة وبمبدأ المواطنة.
ما الذي يمكن فعله؟

ليس أمام من يحمل في ضميره حرصاً على وطنه إلا أن يتصدّى ما أمكنه لهذا المرض العضال، أن يسهم ولو بكلمة تفضح زيف هذه الحفلة التنكرية التي أغرت الكثيرين، أن نعود إلى السويّة الإنسانية والوطنية لنسمي الأشياء بمسمياتها الحقيقية: أن كل تحريض وتكريس للطائفية جرمٌ بحقّ المواطنين وبحق الأجيال المقبلة.
مساهمتنا في «الشبكة العراقية» من خلال فتح ملف «تجريم التحريض الطائفيّ» خطوة على هذا الطريق من أجل إعادة الإنسان العراقيّ إلى مبدأ المواطنة الذي هو الهوية الجامعة.

أنتم مدعوون للإسهام في هذا الملفّ لإنقاذ ما تبقى من هوية عراقية تكاد تنقرض.