البداية – الفعل والنتيجة فلنبدأ الآن
برهان المفتي/
طرحت “الشبكة” في العدد قبل الماضي قضية للنقاش تتعلق بالمبادرات الاجتماعية والفردية، وضرورة تشجيع عبارة (خلّونا نبدي) بدل السؤال (شلون نبدي أو وين نبدي). هنا مساهمة قيّمة في النقاش وصلتنا من الكاتب برهان المفتي:في داخل كل فرد طاقة كامنة لا تُستدعى إلا في حالات استثنائية وفي مواقف فيها تحديات شخصية، وحين أكتب (تُستدعى) مبنياً للمجهول فتلك حقيقة، لأن جميعنا نجهل مديات تلك الطاقة ومستوياتها أو استحضارها كقوة زخم لأي فعل نقوم به.
تلك الطاقة هي استثنائية في مفهوم الطاقة بحسب علم الفيزياء، فهي تجدد نفسها وتتعاظم كلما تعاملنا مع حالات استدعائها فنفاجأ بما نملك من قدرات، ونضحك في سكوت لأننا لم نتعرف على أنفسنا ولا نعرف ما نحن وما نملك.
غير أن الطاقة الكامنة فينا تتأثر بعبارتين حاجزتين تمنعان وصول نداء الاستدعاء لها، تلك العبارتان اللتان نسمعهما ( كيف أبدأ ) و (من أين أبدأ)، خاصة حين التعامل مع نسيج متشابك من المشاكل كما هي الحال معنا، فشل في الخدمات البلدية في مدننا… ضعف في المؤسسات الخدمية… ضعف في الأداء الإداري، وكل ذلك متشابك بقوة مع الفساد. وكنوع من التهرب من المسؤولية فلا شيء أسهل من القول (كيف أبدأ) و (من أين أبدأ) لدفع المحاسبة بعيداً، عملاً بالمثل العراقي (شليلة وضايع راسها)، غير أنّ قول ذلك دليل ضعف المسؤولية المجتمعية، ولن تكون أية خطوة فاعلة بغياب تلك المسؤولية والمحاسبة الذاتية التي نتهرب منها.
الطاقة الذاتية الكامنة
ولكي لا يكون الكلام عن الطاقة الذاتية الكامنة نظرياً أو مثالياً، لنرجع إلى حالة عراقية فريدة كان لحضور الطاقة الكامنة الجمعية بروح الفريق قوة أذهلت الجميع وأربكت حسابات المحللين، تلك الحالة هي فوز المنتخب العراقي لكرة القدم ببطولة كأس آسيا 2007، كأكبر انجاز للكرة العراقية، برغم الظروف العصيبة في تلك السنة تحديداً وعدم تأهيل المنتخب منهجياً للدخول في تلك البطولة، لكن الفريق بكل لاعبيه، وحتى مدربه الأجنبي (فييرا)، كانوا في حالة تحدٍ لإثبات الذات، فرأينا تصاعد أداء المنتخب من لعبة إلى أخرى حتى كانت قمة حضور تلك الطاقة في المباراة النهائية حين شاهدنا اللاعب العراقي كما لم نشاهده أبداً. ففي مواجهة الذات وضرورة تحقيق الانجاز، كان نداء استدعاء تلك الطاقة الكامنة، لم يقم اللاعبون بالاستدعاء، بل الحالة فرضت نفسها فكان الاستدعاء مبنياً لمجهول الفاعل ولكن معلوم النيّة والفعل.
وما يجري وموجود الآن من خراب ودمار وفساد في مدننا ومؤسساتنا، يجعلنا في موقف مماثل لذلك الذي كان فيه المنتخب في 2007، أولئك لم يقولوا ( كيف نبدأ) ولا ( من أين نبدأ)، بل كان قرارهم (لنبدأ) و (لنفعل) وقد فعلوا تأريخاً كروياً تم تسجيله لذلك المنتخب حصرياً في تاريخ الكرة العراقية.
لنبدأ بأنفسنا
أما كيف نبدأ، فلا شيء أقرب من تلك البداية بأنفسنا، فكلنا مشتركون وفي قارب واحد مع الفساد وضعف الخدمات، ونستطيع فعل الكثير بخطوات بسيطة وببداية تبدو صغيرة، لكن نتيجتها الجمعية ستذهلنا حتماً، وهنا نشير إلى حالة عالمية مسجلة لمزارع هندي اسمه (جاداف باينغ) من جزيرة ماجولي الهندية. كان شاهداً على عمليات قطع الأشجار التي حولت الجزيزة إلى مساحة لا زرع فيها، فقرر سنة 1979 بأن يحمل شتلة صغيرة لشجرة ويزرعها في تلك الأرض، وأستمر بذلك طوال السنة 365 يوماً متواصلة لمدة 37 سنة متتالية، فكانت النتيجة مذهلة سجلت في سجلات المنظمات البيئية العالمية. فتلك البداية البسيطة بشتلة وحيدة أصبحت غابة بمساحة 115 هيكتاراً، كما عادت الحيوانات النادرة التي تشتهر بها القارة الهندية لتلك الغابة الجديدة التي بدأت من شتلة صغيرة.
وكلنا نعرف ما قاله نيل أرمسترونغ في بداية خطوته على القمر، تلك الخطوة التي فتحت فضاءات الكون الشاسعة لاستكشافات مذهلة، خاصة إذا علمنا أن كل تطور تقني في الاتصالات والميكانيك وعلم الطيران إنما جاء من أساس استكشاف الفضاء، ومن الخطوات اللاحقة التي تلت خطوة نيل أرمسترونغ.
فلنبدأ الآن.