مهرجان برلين سينما للحب والسلام
عفاف مطر/
بعد ان أمطرتنا السينما العربية والعالمية بأفلام عن الحروب والمجازر في عصر العنصرية والإبادات، نجد أن النتيجة هي ترسيخ العدائية والغضب في نفوس الضحايا، والمزيد من الخوف في قلوب المجرمين ما يدفعهم للقتل أكثر خوفاً من الانتقام. وفي هذا الوقت جاء مهرجان برلين “السينما من أجل السلام”، ليعرض نوعية خاصة ومختلفة من الأفلام، وهي من دون شك ترتكز على مبدأ أن الحرب لا تنهيها الحرب،ولا يطفئ الغضب الغضب، ولا تستبدل الكراهية بالكراهية، الحرب والغضب والكراهية تنتهي بالحب.
مشاعر وقلوب
الحل واضح وبسيط، وهو أسهل من الحرب والغضب والكراهية. ولأن الكثير يجد أن هذا الكلام أبسط من اللازم، وبالتالي قد لا يستقر في الأذهان كما ينبغي- فعادة الإنسان أن يميل إلى الإثارة أكثر وربما يكون السبب في ذلك هرمون الادرينالين- لذا ربما يجد الحب طريقه كوسيلة لإنهاء الحرب والغضب والكراهية إن لم نكتف بالكتابة ونستعين بوسيلة مساعدة.
الكلمة والصورة
يقول علماء النفس إن المعلومة تستقر أكثر في الذاكرة الإنسانية إن شاركت فيها أكثر من حاسة، وفي هذا المجال ليس أفضل من السينما حيث تقترن الكلمة بالصورة، ما يحرك المشاعر والقلوب، ويضيء تلك الأماكن المغلقة والمعتمة، فكان العديد من الأفلام الرائعة التي أحدثت صدمة عاطفية عند المشاهدين، والصدمة الأكبر كانت حين وقفت بعض الجهات المنادية بالسلام ضد هذه الأفلام. لقد رسخت الكثير من الكتابات الأدبية والسينما والميديا التي تعتاش على الكوارث والكره والغضب حتى في قلوب المنادين بالسلام.
أرض الدم والعسل
وليس أفضل مثال على ذلك من فيلم “في أرض الدم والعسل” من تأليف وأخراج أنجلينا جولي. تدور أحداث الفيلم في سراييفو على خلفية الحرب البوسنية التي شنتها صربيا على البوسنة والهرسك، والتي عانى بسببها الشعب البوسني ومزقت منطقة البلقان في 1990.
يسلط الفيلم الضوء على امرأة بوسنية شابة، تقع في غرام جندي صربي مما يضعهم في أزمة حقيقية، نظراً للوضع الذي ولدت فيه علاقتهما وتأثيرات هذه الحرب عليها, الألم النفسي ومشاهد الدمار يحملها بطلا الفيلم، اللذان يقعان في الحب، فيسردان رفض الحرب بطريقتهما الخاصة، والقصة العاطفية بينهما التي رفضها والد الجندي الجنرال الكبير، وكان تبريره أنه يحب فتاة كان قومها سبباً في قتل والدته وجدّته. وقد طالبت رئيسة جمعية (نساء ضحايا الحرب) بكيرة هيساتشيتش بوقف تصويره ودعت أنجلينا جولي إلى الاطلاع على الثقافة السائدة لدى المسلمين! وقد صرحت بكيرة هيساتشيتش حينها قائلة (في كل الحروب، حدثت عمليات اغتصاب، ولكن ما حدث في البوسنة كان فريداً ومختلفاً؛ حيث كان ضمن مشروع متكامل، أي مخطط له سلفاً، ولم يحدث عفوياً، فمعظم اللاتي تم اغتصابهن، أنهى المجرمون حياتهن بالقتل).
الاغتصاب كسلاح
وتابعت: لقد استخدم الاغتصاب كسلاح لتدمير القوة المعنوية للمسلمين وتدمير روح المقاومة لديهم؛ لذلك اغتصبت فتيات في سن بين 11 و18 سنة ونساء كبيرات في السن، تجاوزن الـ65 عاما، وتمت جرائم الاغتصاب في المعتقلات الجماعية، وفي المؤسسات العامة، وفي المنازل الخاصة، وتعرضت المغتصبات للترهيب وللرعب وللضرب، وكانت المعاملة القاسية بهدف الإهانة بكل أصنافها، وكل مفرداتها، وكل أنواعها، ثم تأتي أنجيلينا جولي، لتغطي على كل ذلك في فيلم يتحدث عن قصة حب بين ضحية وجلاد، وهذه خسّة ليست بعدها خسّة، وشكل من أشكال الإمعان في إهانة المسلمين، لا سيما البوسنة، خاصة الضحايا وذويهن. واستطردت: «ما حدث هو الاغتصاب، والقتل، والإهانة، والرعب، والمرض، والمعاناة، وليس الحب». وكأن الضحية لا يمكن أن تقع في الحب! وكأن الحب لا يداوي جروح الضحايا، ولا أعرف كيف يمكن لأي إنسان أن ينكر أن الحب لا يؤثر فقط في الضحية بل في القاتل أيضاً.
لقد عرض الفيلم، إضافة الى قصىة الحب، معاناة الفتيات هناك في سراييفو وكذلك عرض معاناة الضابط الصربي كذلك، وكأن بكيرة هيساتشيتش لا تؤمن إلا بالانتقام، وتجد أنه الحل الأمثل، وكأنه يرجع للضحايا كرامتهم، ولو افترضنا أن الانتقام فعلاً سيعيد لهم كرامتهم، فهل ينجح الانتقام في تمكينهم من العودة إلى الحياة الطبيعية عما كانت عليه قبل بدء الحرب؟ لا أظن، لكن الحب يستطيع بالتأكيد.
أينما وجدت الكراهية
وجد الحب
لم تطلب هذه الفئة من الأفلام أن تعشق الضحية قاتلها، لكنها طالبت بالنظر إلى أنه في وسط كل الدمار والحروب هنالك حب، فلماذا لا نلتفت إليه؟ وأنا لا أتوقف عند هذا الفيلم فقط، بل أتساءل لماذا لم تولِ الميديا العربية مهرجان برلين “سينما من أجل السلام” الاستحقاق اللازم لاسيّما ونحن نعيش كل تلك الكوارث والحروب؟ لماذا حين تشتد أية أزمة سياسية يسارع الجميع إلى الحلول العسكرية؟ هذا الفيلم وغيره من الأفلام الرائعة التي يختص بها هذا المهرجان تطرح هذا الرأي، والغريب أن أكثر المعارضين لهذه النوعية من الأفلام هم ممن عانوا الكراهية والحروب والقتل والاغتصاب! ألم تحدث قصص حب وزيجات بين يهود ومسلمين حتى في فلسطين نفسها؟ وألمانيا النازية؟ ألم يتزوج جنود روس من ألمانيات بعد سقوط هتلر ودخولهم ألمانيا؟ ألم يتزوج الكثير من العراقيين من إيرانيات، وإيرانيين من عراقيات؟ لقد حدث الكثير من هذه القصص، فلماذا لا نعرضها كحقيقة إنسانية؟ فهي ليست خيالاً علمياً، وإنما هي ما حدث فعلاً. أينما وجدت الكراهية وجد الحب، هذه طبيعة بشرية فلماذا ننكرها؟ ولماذا نسلط الضوء على المناطق المعتمة أكثر مما نفسح المجال للمناطق المضيئة أن تتوهج من تلقاء نفسها؟
جوائز وتكريم
من الجدير بالذكر أن هذا الفيلم، برغم أصوات المعارضة، قد حصل على جائزة نقابة المنتجين الأميركيين، وتمنح هذه الجائزة للأفلام أو الأفراد “الذين يسلطون الضوء على القضايا الاجتماعية المثيرة بأسلوب سهل ومتميز”. كما حصل على جائزة الفيلم الأفضل قيمة للعام من مهرجان سينما من أجل السلام 2012 . وكرم الدكتور «البرادعي» المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية الممثلة الأميركية أنجلينا جولي خلال زيارته لألمانيا للمشاركة في وقائع مهرجان برلين، واحتفالية «سينما من أجل السلام».