يوم كانت حيوانات الغابة رموزاً لآلهة العراق القديم

1٬408

محمد جواد/

قبل الخوض في زمن وجود الأسود واللبوات ورمزيتها في بلاد الرافدين، أود أن أذكر أن للأسد في اللغة العربية حوالي (300) اسم أشهرها: السبع، الليث، الضرغام، راهب، الغضنفر، عابس، ملك الغاب، ببر، صارم .الخ

ولا يفوتنا ذكر الاسم الثاني لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) الذي هو اسم من أسماء الأسد ونقصد (حيدر)، كما أن القرآن الكريم ذكر اسماً من أسماء الأسد في الآية الكريمة الآتية: ( كأنهم حمرٌ مستنفرة، فرّتْ من قسوَرة) وقسورة هو اسم من أسماء الأسد.

رمز القوة والبأس

الأسود هي رمز البأس والقوة والشجاعة، واذا أراد الإنسان في غابر الزمان أن يظهر قوته وشجاعته وقوة قلبه، فأنه يتفاخر بمصارعته للحيوانات الضارية، كالأسود واللبوات والذئاب والدببة والثيران البرية الهائجة، وربما قتلها وانتصر عليها وحمل رأسها وقد يضعها على رأسه او يجعل أنيابها قلادة له تذكيراً للآخرين ببأسه الشديد.
ومن المعروف أن الأسد ملك الغابة وحيواناتها، وهو الأقوى والأكثر بطشاً، ولذلك اتخذه بعض الآلهة رمزاً لهم في العراق القديم. والملوك هم ظل الإله في الأرض وفي فترات معينة تم رفعهم الى مصاف الآلهة.. وللتعبير عن قوتهم فقد تركوا مدنهم وخرجوا الى البرية والغابات بحثاً عن الأسود لاصطيادها، غير هيّابين بمخاطر البحث عن الأسود الكاسرة.

منحوتات رافدينية عن الأسود

إن صيد الحيوانات الكاسرة كان أولاً ومنذ البدء إجراءً دفاعياً لحماية الأبقار والمواشي من خطر هذه الحيوانات الجائعة والمخيفة للرعاة وقطعانهم والمفترسة لهم، ثم أصبح لاحقاً تعبيراً عن قوة الملوك وبأسهم.

ولقد كانت الأسود موجودة في بلاد وادي الرافدين منذ فجر التاريخ وحتى مطلع القرن الماضي تقريباً، فكثرة الغابات والبساتين والمروج والبوادي والجبال في العراق القديم أدت الى وجود مجاميع وفيرة من الأسود واللبوات.
ومن ضمن المنحوتات الرافدينية المرتبطة بالأسود أو اللبوات هي:

– في آثار النمرود في نينوى حيث اشتهرت عاجيات النمرود ومن أشهرها عالمياً اللبوة التي تفترس حبشياً برغم صغر القطعة العاجية الفنية النفيسة.

– صور الأسود المنتشرة على جانبي شارع الموكب في مدينة بابل عاصمة بلاد الرافدين في زمن الملك نبوخذنصر الثاني.

– أسد ( أريدو) الرابض بلونه الأسود الجميل في المتحف العراقي .

– الأسدان اللذان يقفان شامخين أمام بوابة معبد الإلهة عشتار في عاصمة الآشوريين ( النمرود).

-الأسدان الرابضان أمام بوابة المعبد في تل حرمل ( شادوبم) وهو مركز إداري وثقافي يعود لمملكة أشنونا في ديالى.

لبوة بغداد

– لبوة بغداد او لبوة جونول: عثر عليها قرب العاصمة بغداد ويعود تاريخها لنحو (3000 عام قبل الميلاد) طولها 8.3 سنتمتر وقد عرضت عام 1948 في متحف بروكلين للفنون في نيويورك ثم بيعت عام 2007 لأحد جامعي الاثار الآسيويين وهي منحوتة غاية في الجمال والروعة.

-أنزو: وهو طائر عملاق خرافي برأس أسد وجسم نسر سرق ألواح القدر من الإله إنليل وصارعه الإله ننورتا وقتله.
وقد يرمز للأسد بأحد جزءين من جسمه، أما الرأس أو المخالب وذلك ما نراه في التنين البابلي (رمز مردوخ) في بوابة عشتار الشهيرة حيث تنتهي أطرافه الأمامية بمخالب أسد والخلفية ببراثن نسر.

وكذلك دكاك المذابح أمام تماثيل الآلهة الآشورية في معابد العاصمة (دور شيروكين) أي خرسباد في الموصل، كلها تتزين بصورة دائرية بمخالب الأسود.

مسلة صيد الأسود

بعد الحرب العالمية الثانية وفي سنة 1954م استؤنف التنقيب في مدينة الوركاء “أوروك السومرية” في السماوة من قبل بعثة المانية برئاسة هانريش لترن، ومن أهم اللقى النفيسة التي عثر عليها في هذا الموسم هي مسلة صيد الأسود التي يعود زمنها الى نحو ( 3300 ق.م) وهذا ما يدل على وجود الأسود منذ تلك الفترة في العراق القديم وهي أقدم مسلة تصور عملية صيد الأسود في العراق.

ونذكر بهذا الصدد، طريقة البطل الأسطوري الملك كلكامش (2650 ق.م) في مصارعة الأسود، وكثيراً ما يفاخر الملوك بقوتهم وعظمتهم وذكرهم لخروجهم من مدنهم العامرة من أجل ممارسة رياضة صيد الأسود.

وبرغم أن صيد الأسود قد استمر في بعض الفترات التاريخية للعراق القديم، إلا أنه أصبح تقليداً ملكياً جلياً وواضحاً لنا في العصر الآشوري الحديث، حيث نشاهد الملوك الآشوريين وجنودهم يلاحقون الأسود، سائرين على الأقدام او وهم يركبون عرباتهم الحربية، مصوبين سهامهم او رماحهم الى صدور الأسود واللبوات الهائجة والجريحة.

ولقد ترك لنا الآشوريون منحوتات رائعة على جدران القصور حيث عثر في قصر الملك آشور بانيبال ( 669-624 ق.م)، الواقع الى الشمال الشرقي من تل قوينجق في مدينة نينوى التاريخية بالموصل، على ألواح منحوتة بالنحت البارز تحتوي على مواضيع عسكرية ودينية، ومن أشهرها موضوع صيد الأسود. لقد بعث النحاتون الآشوريون الحياة في أشكال منحوتات صيد الأسود في عهد الملك سنحاريب واشور بانيبال مثل منحوتة اللبوة الجريحة او المحتضرة والأسود اللاهثة من كثرة السهام المنغرزة في أجسادها ومشاهد العودة من الصيد وحمل الأسود الى القصر ووضع الأسود عند قاعدة مذبح للنار، ويسير الملك آشور بانيبال وهو يحمل كأساً بيده اليمنى، الى الأمام لكي يقدم الشكر الى الآلهة ويصب ماء مقدساً على الأسود الميتة.

وهذه المنحوتات معروضة في متحف اللوفر بباريس والمتحف البريطاني في لندن.