رزان قصــــار: جعلت صوت الموسيقى أقوى من صوت الرصاص!
رولا حسن /
رزان قصار، عازفة كمان درست في دمشق، ثم تابعت دراستها في المعهد العربي للموسيقى (صلحي الوادي). تخرجت تحت إشراف الأستاذ يبفجيني لوغينوف سنة 2005 وعزفت في أوركسترا زرياب، والتخت الشرقي النسائي، وفرقة الفلهار مونية السورية. تشتغل الآن كعازف كمان أول في الفرقة السيمفونية الوطنية السورية، حيث ساهمت معها في العديد من الحفلات داخل سوريا وفي المحافل الدولية. كما تعزف في أوركسترا ماري، إضافة إلى مشاركتها مع الفرقة الوطنية للموسيقى العربية. شاركت أيضاً في حفلات مع الفرقة السيمفونية الوطنية السورية. التقتها مجلة “الشبكة” فكان هذا الحوار عن اهتماماتها الفنية والموسيقية:
مساحة صوت
* أنت عازفة الكمان الأولى في أوركسترا ماري وأيضاً في الفرقة السيمفونية الوطنية السورية، وكذلك في التخت النسائي الشرقي، كيف تجدين نفسك وسط العمل الجماعي؟
-آلة الكمان تكتب لها أدوار صعبة، وذلك لأن إمكانياتها كبيرة كمساحة صوت. ويستطيع العازف أن يشتغل على أنواع من التكنيك في العزف، وهذا الأمر بلا شك يتطلب الكثير من التمرين، وهنا لا يختلف الأمر في حال كانت الأعمال المكتوبة لأعمال جماعية او لأعمال فردية، ونحن كعازفين مرجعيتنا دائماً هي الأعمال الفردية، لأن ذلك يقوي مهارات التكنيك في العزف الذي بدوره يخدمنا أثناء العزف الجماعي. بالنسبة لي العمل الجماعي هو الأقرب، لأنه يمثل حالة خاصة من التناغم بين أشخاص مختلفين بآلات مختلفة، إضافة إلى أمر مهم جداً في هذه الظروف وهو اجتماعنا في مكان واحد، ففي ظل الحرب باتت أبسط الأمور صعبة لاسيما وأن البروفات كثيرة والالتزام بها ليس أمراً سهلاً، لكنهم بالنتيجة يقدمون عملاً مدهشاً، وهذا الأمر يسحرني. منذ العام 99 وأنا أعزف جماعياً في الفرقة السيمفونية الوطنية، وخلال الأزمة وبسبب غياب الموسيقيين ذوي الخبرة خارج البلاد اضطررت لأن أكون العازفة الأولى، هذا الأمر حفزني وبقوة للعمل، العزف الجماعي أكسبني خبرة مختلفة، وكوني عازفة أولى الأمر بات مختلفاً كلياً، فهذا يعني مسؤوليات جديدة تتلخص بتحضير النوطات وفهم أدوار باقي الآلات، هذه الأمور مجتمعة جعلتني أعشق حالة العزف الجماعي وأميل إليه.
علاقة حياة
* ما نوعية العلاقة التي تربطك بالكمان؟
ــ علاقتي بالكمان يمكن القول إنها علاقة حياة، كما النوم والأكل والمشي، شيء أمارسه بشكل اعتيادي، كما أمارس تفاصيل حياتي اليومية وإذا توقفت عن ممارسته فهذا يعني أني مريضة، إنه جزء مني لا أتخيل حياتي دونه. على مدى 26 سنة تقاسمنا أنا والكمان أشياء كثيرة تخص الروح، هو يعرفني تماماً بقدر ما أجيد العزف عليه.
* في مجتمعات كمجتمعاتنا البطرياركية، العازفة حالة غريبة نوعاً ما، ولا سيما على آلة صعبة كالكمان، كيف انسجمت مع هذه الحالة وما الصعوبات التي واجهتك؟
-الحقيقة وجدت نفسي في مجتمع وقف إلى جانبي منذ الصغر، وشجعني ووقف إلى جانب طموحي بدءاً من عائلتي، الأمر الذي دفعني دائماً للمضي إلى الأمام، ما جنّبني مواجهة أية صعوبات. إضافة إلى أن صعوبة آلة الكمان دفعتني للتحدي دائماً.
التخت الشرقي
* شاركت كعازف كمان أول تحت قيادة الموسيقي المعروف صلحي الوادي، هلا تحدثينا عن هذه التجربة وماذا أضافت لك؟
ــ مشاركتي بالعزف بقيادة صلحي الوادي كانت نقلة نوعية ومهمة جداً، بالنسبة لي جعلتني أتمسك وبقوة بالعزف على الكمان، كنت لا أزال في المرحلة الثانوية من دراستي عندما اختارني الأستاذ صلحي الوادي للعزف مع الأوركسترا، وهذا العزف الإفرادي مع الأوركسترا جعلني أتذوق بحساسية طعم النجاح، ودفعني أكثر للصعود وبثقة على درجاته.
*ماذا أضاف وجودك في فرفة التخت الشرقي لتجربتك الموسيقية؟
-كنت من مؤسسي فرقة التخت الشرقي 2003 وكانت التجربة غنية جداً بالنسبة لي على المستوى الموسيقي لأني أجيد عزف الألحان السريانية التي فيها ربع تون، لكن ليس مع تشكيلة تخت شرقي، أقصد وجود آلات شرقية مثل العود والقانون والناي فكانت باباً جديداً لأتعلم العزف الشرقي، وأتشرب وبعمق الروح الشرقية في العزف. وجود فرقة كفرقة التخت الشرقي تجربة أنثوية بامتياز، المميز فيها لمستها الأنثوية ولكن المرأة السورية أثبتت نفسها ومنذ زمن في كل نواحي الحياة، وليس على المستوى الموسيقي فقط، المرأة السورية مختلفة عن كل النساء وهي قادرة على الإبداع في كل المجالات.
سنوات الحرب
* سبع سنوات من الحرب لم تتوقف خلالها حفلاتك الموسيقية سواء مع الفرقة السيمفونية، أو أوركسترا ماري، أو التخت النسائي الشرقي، هل تعتقدين أن الموسيقى قادرة على تخفيف وطأة الحرب الثقيلة على النفوس؟
– لأن علاقتي بالكمان هي علاقة حياة، لا يمكنني أن أتوقف عن العزف ولا سيما أننا نعيش تحت وطأة حرب لا ترحم، لذا سأستمر بالعزف وغيري أيضاً سيستمر، هناك الكثيرون ممن يصرون على أن تستمر الحياة بشكلها الطبيعي، برغم كل الصعوبات، علينا جميعاً أن نصر على أن يكون صوت الموسيقى أعلى من صوت الرصاص، وطالما يوجد إقبال على حضور الأمسيات الموسيقية كما هو الآن، ذلك أن الموسيقى الآن حاجة ماسة لأرواح الناس، فالأزمة أحدثت إضافة إلى كل أضرارها المادية والجسدية ضرراً على مستوى الأرواح، لقد أحدثت جراحاً في الأرواح لا تداويها إلا الموسيقى. وهذا ما نسعى إليه لتضميد الجراح، وبلسمتها بالموسيقى.
* خلال سنوات الحرب هاجر الكثير من الموسيقيين والفنانين خارج سوريا، لسبب أو لآخر. لِم بقيت رزان قصار في سوريا بالرغم من كونها اسماً معروفاً، وكيف تنظرين إلى من ترك سوريا في هذه الظروف؟
– بغض النظر عن الأسباب التي دفعت بالموسيقيين للهجرة خارج سوريا خلال الأزمة… أستطيع أن أقول وببساطة أن سوريا بالنسبة لي ليست فقط جغرافيا… فسوريا، وتحديداً دمشق حيث ولدت وتعلمت وكبرت، هي أسلوب حياة اعتدت عليه… ولا يمكنني العيش خارجه، وطالما أنا قادرة على العزف وتقديم شيء في بلدي على أي مستوى لا أفكر بالسفر على الإطلاق. بالمقابل هناك عازفون سوريون أكثر أهمية لم يسافروا، ولم يتخلوا عن بلدهم بالرغم من أن فرصهم في الخارج أكثر مني، هنا هذا الأمر الذي دفعني إلى عدم التفكير في السفر، وأنا سعيدة جداً أني ما زلت هنا، وفي دمشق تحديداً ووجودي مفيد لبلدي ولا سيما أننا كعازفين صرنا قلائل جداً.