منظمات وجهات مسلحة استولت على عقارات المسيحيين

1٬440

عواطف مدلول /
حجم عمليات الاستيلاء على عقاراتهم، التي تجري أغلبها بتواطؤ مع عدد من موظفي دوائر التسجيل العقاري، وبحماية من جهات توصف بالنافذة، اشعر المواطنين المسيحيين بوجود سيناريو معد لتهجيرهم من موطنهم الأصلي، كما أن ارتفاع مستويات العنف والتهديدات التي تعرضوا لها خلال السنوات الماضية، إنما كان جزءا من ذلك السيناريو، الذي تركز على الإستيلاء على عقاراتهم في المناطق الراقية، لاسيما في الكرادة وزيونة.

حتى لو تمت عملية نقل الممتلكات بصورة قانونية، فإنها غالبا ما تكون بالإكراه وبعد صراعات غير متكافئة بين طرفي القضية.
“ الشبكة” خصصت القسم الثاني من ملفها الذي افتتحته في العدد السابق لقضية الاستيلاء على عقارات المسيحيين، هذه القضية التي تضرب وحدة العراق وتنوع نسيجه وأطيافه بالصميم، فضلا عن جوانبها الأخلاقية والقانونية.
شهادات
تحت أيدينا أكثر من شهادة عن تعرض المسيحيين الى ضغوط من جهات مختلفة بهدف الاستيلاء على عقاراتهم، بطرق مختلفة، وأساليب بعضها يجري بشكل «قانوني» مع إنها تقع تحت الإكراه.
تروي مروة بطرس التي اضطر والدها الى بيع عقارها بعد تعرض دارهم الى سطو مسلح تبعته تهديدات بالقتل، جانبا من الأساليب المستخدمة لترويع المسيحيين مثل توجيه منشورات تهديد (غالبا ما توضع بداخلها رصاصة للإشارة الى جدية التهديد) ورميها داخل المنازل من قبل جهات تروم الاستيلاء على تلك المنازل، او حتى من قبل بعض تجار العقارات الذين يرومون شراء هذه العقارات بأثمان بخسة وإعادة بيعها بأضعاف سعرها.
وتؤكد مروة إن معظم المسيحيين يتجنبون رفع شكوى ضد التهديدات التي تطالهم، خشية خطف أحد أفراد العائلة، أو تعرض العائلة الى أي عمل مؤذ.
حتى أنت ياجاري!
من بين القصص المأساوية ثمة ما تثير الشجن، بينها قصة تلك العائلة المسيحية التي تفاجأت بأن بيت قريبهم الذي سافر خارج العراق وتركه مطمئنا (أمانة لديهم) وبدورهم قاموا بتوصية أصحاب المنازل المجاورة له بحمايته، لكنهم تلقوا هاتفا يخبرهم بأن هناك من اقتحم الدار واحتلها، ما أثار استغرابهم وحينما تعرفوا على هويته، أكتشفوا أنه الجار الذي لا يفصله عن بيت قريبهم سوى حائط، وقد لجأ لازالة جزء منه والإستيلاء على الدار سراً، وحين افتضح الأمر لأبناء الحي المعروفين بسمعتهم الطيبة، ممن تربطهم بأخوتهم المسيحيين علاقات إنسانية عميقة، تصرفوا سريعا ولم يمنحوا الجار السارق الوقت للتلاعب بملكية العقار وبذلك اغلقوا الطريق بوجهه.
داري تحت سيطرتهم!
ويقول أحد أقارب المواطنة المسيحية أحلام عسكر: إن قريبته المقيمة في بريطانيا جرى احتلال دارها في منطقة الكرادة من مجموعة مسلحة تزعم أنها تنتمي لجهة سياسية.
وأوضح قائلا: “كلفنا محاميا بهدف استرداد دارها من تلك العصابة، لكنه أخبرنا بعد حين بأنه فشل في إعادة الدار.
وأكد قريب المواطنة أن منزل قريبتهم هو مصدر رزقها الوحيد، ولطالما رفضت عروضا لبيعه، لأنها تحلم بالعودة الى العراق عندما تستقر الأوضاع الأمنية التي دفعتها الى الخروج منه شأنها في ذلك شأن عشرات الآلاف من الأسر العراقية.
وقال “أن الدار مازالت تحت سيطرة تلك العصابة، وأن قريبتنا تخشى المجيء لتستعيدها منهم”!.

إتهامات واضحة
واتهم عضو مجلس النواب يونادم كنا بعضا من المنظمات والجهات المسلحة بالاستيلاء على عقارات المسيحيين، في وضح النهار وبالتواطؤ مع دوائر التسجيل العقاري والدوائر ذات الصلة والتستر عليها واخفاء حقيقتها.
وبالرغم من عدم وجود إحصائيات رسمية عن عدد العقارات المستولى عليها، والتي تعود ملكيتها الى أسر مسيحية، إلا إن النائب كنا، حددها بمئات العقارات والتي عرفت بواسطة البلاغات التي قدمها أهالي المنطقة، ومعظمها يقع في الأحياء المعروفة بالاغلبية المسيحية مثل زيونة والكرادة و52 مبينا أن تلك الجرائم حصلت بسبب ضعف سلطة القانون وانتشار الفوضى.
وشدد كنا في حديثه لـ”الشبكة” على ضرورة العمل على ايجاد حل أو قانون يشارك بتنظيم حقوق المسيحيين لان مايجري يتناقض مع ما جاء بالدستور العراقي الذي لايسمح بالتعامل مع المواطنين على أساس ديني أوطائفي أوعنصري، داعيا الى معاقبة كل من ظلم واستغل وتجاوز.

تحدثت مع العبادي
وكشف كنا أنه طالب خلال اتصال له برئيس مجلس الوزراء حيدر العبادي بعدم إهمال تلك القضية، وأن من المهم أن يكون هناك موقف حازم تجاهها من جانب الحكومة، وقال أنه يسعى لعقد إتفاق مع وزير العدل لمناقشة فكرة اقتراح قانون يحمي المسيحيين ويضمن حقوقهم بحيث لايتسبب في أحداث الضرر لأي مواطن، وليكون رادعا قويا ووسيلة فعالة مناسبة للحد من عمليات التزوير ما يسهم بتقليص حجم هذه العمليات غير المشروعة ويلعب دورا في الحفاظ على المكون المسيحي الأصيل من مغادرة البلد.

إجراء احترازي
تفاقم هذه المشكلة دفع وزارة العدل الى وضع ضوابط للحد منها، واصدرت الوزارة قرارا يقضي بوقف التصرف بعقارات المواطنين المسيحيين (بيعا وشراءً) إلا بحضورهم الشخصي أو من يمثلهم وكيلا من الأقارب من الدرجة الأولى أو الثانية فقط.
وأقر مديرعام مديرية التسجيل العقاري مهدي طالب علي، في حديثه لـ “الشبكة” بوجود حالات تزوير لعقارات تعود الى المسيحيين جرى كشفها بمتابعة الكنيسة الكاثوليكية وممثلي الطائفة المسيحية بمجلس النواب.
وقال علي:”اتخذنا هذا الإجراء الاحترازي لكنه تسبب في حصول نوع من التضييق على البعض ممن ينوي الهجرة فعلا أو جاء وكالة عن أقاربه، وخاطبنا الدائرة القنصلية في وزارة الخارجية لأجل أن تقوم بالتشدد في قبول وكالات عن تلك الطائفة.
وتحدث المدير العام عن بعض الأساليب التي كانت تتم بها عمليات التزوير من خلال وكالات تحضر وتهيء خارج العراق وهي أصلا مزورة غير صادرة من صاحب الشأن، أو يتم التلاعب بها عن طريق وكالات داخل العراق وعندما نطلب صحة صدور نجد أن الوكالة أصولية وصحيحة، إذ غالبا ما يتم التزوير بالمستمسكات وأحيانا يراجع الشخص بنفسه حاملا مستمسكات مزورة.
وعن الاتهامات الموجهة لعدد من موظفي دائرة التسجيل العقاري في تسهيل معاملات التزوير أوضح بأن المراقبة جارية لكشف حالات الفساد التي تظهر بين آونة وأخرى بذلك الخصوص وستتم معاقبة كل من يتورط بذلك وفق القانون الذي يطبق على الجميع من دون استثناء.
أرشفة الكترونية
وفي خطوة متأخرة لكنها ستحمي عقارات المواطنين العراقيين من دون استثناء كشف مدير عام التسجيل العقاري طالب مهدي عن تطبيق نظام الأرشفة الالكترونية للأرتقاء بالخدمات العقارية.
وأوضح أن هذا النظام يمثل الخطوات الأولى لحفظ كل سجلات القيود في العراق على أقراص وهاردات وقد أنجزت عام 2015 تماما، فضلا عما يوفره من جهد ومشقة العناء لمراجعة المواطنين، لكن غايتنا الأساسية هي الحفاظ على سجلاتنا من التزوير والضياع في المستقبل، ومع ذلك فأننا نخشى حاليا على سجلات البلد لأن دائرتنا تقع في مكان خطر جدا ومعرض للتهديد، ولذا طرحنا في اجتماع مجلس العدل الأخير موضوع اختيار مكان آخر لنا أكثر أمانا ومازال بصدد المناقشة.
سند صغير
وبخصوص مشروع البطاقة الذكية العقارية الذي مازال قيد الدراسة أضاف: سيتم استحداث بطاقة شبيهة بـ (الكي كارد) تحمل شريحة بمنتصفها، وتفتح بجهاز بعد أن يضع المواطن بصمته فتظهر له الاضبارة الخاصة بعقاره كاملة، بما تضم من أوليات وبيانات فتكون نسخة معلومات عند المواطن هو فقط من يستطيع الاطلاع على ما فيها ويبقى الأساس بالدائرة، لغرض تلافي موضوع التزوير أيضا وحتى يتم اطمئنان المواطن على ممتلكاته فتكون تلك البطاقة بمثابة السند الصغير له.