ضوء سومري شعَّ في (جرداق) في كرمة علي بالبصرة عام 1971، كان والده يعمل هناك مراقبا للعمال قبل ان ينتقل رفقة عائلته الى الهارثة حيث بنى بيتاً قريباً من شارع يربط البصرة بالعمارة. أكمل دراسته في جامعة البصرة ومع كتابته لأول انجازاته الإبداعية ارغمته الظروف على الهجرة ليستقر بعد سنوات في الدنمارك، لكنه لم ينس البصرة التي سكنته اينما كان وهذا واضح في رواياته.
انه الروائي العراقي المغترب زيد عمران، الذي يبدأ حواره مع ( الشبكة) عن بصرته قائلا:
– روايتي الأولى (قرية الصبّير) عن البصرة، بعدها بأربع سنوات كتبت رواية (الأخرس) وأحداثها تجري في قرية من قرى البصرة وبطل روايتي السابعة (خريف البرتقال) التي ستنشر باللغة الإنجليزية قريباً من البصرة. وانا الآن عاكف على كتابة روايتي الثالثة عشرة ويصادف أن يكون بطلها بصراويا كذلك.
* كيف وجدت البصرة خلال زيارتك الاخيرة لها؟
ـ انا لم اغادر البصرة حتى هذه اللحظة، فالبصرة قدري، حتى في تلك الليالي القليلة التي أنام فيها أحلم بالبصرة. ولا أدري كيف أصبحت البصرة الآن، فكلما زرتها لا أرى غير بصرتي انا، البصرة التي أحببتها والتي تسكن أحلامي بينما يرفض عقلي وقلبي أي تغيير أحدثته الأيام فيها.
* نلمس في رواياتك اشارات الى مشاكل المنطقة والشعوب العربية بواقعية، ما الذي تسعى اليه؟
ـ انا أكتب لأولادنا وأحفادنا عما رأيته في حياتي، عن حماقاتنا واخطائنا، ربما لأني أريد لهم أن يدركوا بأننا لم نتعمد إيذاءهم، بل هو إرث ثقيل وتركة معقدة وجدنا أنفسنا أطرافاً متنافرة فيها، من غير أن يكون لنا الخيار في ذلك، هذا كل ما في الأمر.
* كتبت أكثر من عشر روايات، (دكة مكة) أول رواية مطبوعة لماذا وقع الاختيار عليها من بين رواياتك؟
ـ أجبرني صاحب دار جيكور ـ الذي تبنى العمل كاملاً ـ على نشرها ورقياً عن طريق توسط بعض الأصدقاء الذين لا أستطيع أن أرفض لهم طلبا والذي اقنعني بانها جوهرة فريدة في الادب العربي، إذ لم يسبق لأحد ان كتب عن العبودية في العالم العربي في العصر الحالي بعدما اختفت تقريباً في أكثر بقاع العالم. الرواية مبنية على أحداث حقيقية جرت في مكّة بين عامي 1950 و1975.
* هل هي محاكمة لبعض القراءات الخاطئة للنصوص الدينية؟
ـ أنا لستُ قاضياً ولا أحاكم أحداً أنا نقلتُ الأحداث التي حدثت وللقرّاء الحرية في إطلاق احكامهم إن شاؤوا العبودية كانت قبل الأديان وما زالت.
* ذكرت بأنك عندما أنهيتها، كانت نعش مستقبلك ككاتب عربي..
ـ الكاتب العربي، وبعيداً عن الدبلوماسية ـ التي لا أجيدها بطبيعة الحال ـ ليس حرّاً. تستعبده منظومته الاجتماعية والسياسية وحتى الاقتصادية. فلكي يصبح له اسم في عالم الثقافة والجوائز والمهرجانات لا بدَّ من تزكية المتنفذين في المجتمع له. رواية (دكة مكة) تضرب المنظومة الاجتماعية في عقر دارها وتثير سخط بعض السياسيين ورجال الدين وأصحاب رؤوس الأموال، فكيف ترى مستقبل من يضرب كل هؤلاء؟
* ما الذي اردت ان تصل اليه من خلال شخصية ماكينزي وجميل في دكة مكة؟
ـ أن المظاهر كاذبة وأن الحُرَّ طليقٌ وإن كان عبداً، والعبد سجين وإن كان أميراً.
* لماذا تفضل نشر رواياتك الكترونياً؟
ـ حتى تصل إلى أكبر عدد ممكن من القرَّاء ـ فقيرهم وغنيُّهم ـ فنحن نعاني في أوروبا من شحة الكتب العربية وشحة المكتبات العربية. إضافة إلى أني أشعر بالحرية من أيِّ التزامات مع أيِّ طرف، أكتب وأنشر من بيتي.
* تقول ان الكاتب انسان غير سوي، فما الذي يعنيه ان تكون كاتباً؟
ـ أن تكون كاتباً يعني أن تكون بائساً ـ هكذا أرى نفسي في الحقيقة ـ فاشلاً في التواصل مع الناس. مصابا بلوثة عقلية. بالطبع هناك دراسات أثبتت وجود علاقة بين الإبداع وبين الجنون، وهذا ما أخدع نفسي به، كلما شعرت بالكآبة والاختناق.الناس الذين لا يجدون مشكلة في التواصل مع الآخرين لا يضطرون إلى الكتابة للتعبير عن أفكارهم، بل يتحدثون عنها بمنتهى البساطة مع اصدقائهم ومعارفهم وزملائهم في العمل. فقط أولئك الذين لديهم مشكلة في التواصل يكتبون أفكارهم.
*وبماذا تنصح الكُتاب الجُدد؟
– بأن من يتصور منهم أن الكتابة ستجلب له السعادة فهو واهم. الكتابة والسعادة على طرفي نقيض.
* ما أجمل رواياتك واكثرها قرباً منك؟
ـ أنا أحب رواية “العابرة”، كتبتها قبل عشر سنوات، وما زلت في كل سنة أُعيد كتابتها.
* هل لشخوص رواياتك تأثير عليك؟
– انهم يؤثرون جداً على نفسيتي، فافرح لفرحهم واحزن لحزنهم وأصاب بالكآبة حينما يصابون بها وأثور حينما يثورون واخضع حينما يخضعون.
* هل للمرأة حضور مميز في كتاباتك؟
-أعتقد ان المرأة أكثر حضوراً في كتاباتي من أي شيء آخر.
* تقول إن عيد الأم هو عيد الأم العراقية أكثر من غيرها، لماذا؟
ـ العراقية أم حتى وهي طفلة في بيت أبيها. أجدادنا السومريون عبدوا الأم في بداية نشوء الدين والآلهة، ثم عبدوا بعد ذلك إلهة الحب إينانا. المرأة العراقية ورثت الإلهة الأم أكثر مما ورثت إينانا إلهة الحب. ونادراً ما تجد عراقية تحب زوجها اكثر من أولادها وتلبي رغبته على حساب رغباتهم.
* هل صحيح أن قمة تعاسة الرجل أن يعشق امرأة كاملة؟
– المرأة الكاملة تقود الرجل إلى التعاسة، لأن الرجل أحمق وغبي ولا يمكن أن يصل إلى الكمال نهائياً. كمالها يؤرقه ويجعله ينفر منها لحبّه للخطيئة.
* هل سيفاجئنا زيد عمران برواية جديدة قريبا؟
ـ سأنشر رواية (هندبا) قريباً جداً، لقد كتبتها أثناء وجودي في المستشفى وبقيت بعض اللمسات الأخيرة. ستكون كسابقاتها الكترونية مجانية، وعلى صفحتي الشخصية، حتى يستطيع الكل تحميلها.
* كإنسان وكاتب، هل حصل زيد عمران على الحرية؟
– لا أعتقد بأن الإنسان يستطيع الوصول إلى الحرية. القيود كثيرة. وزيد عمران قطع شوطاً، لكنه ليس حرّاً بعد.
* ما الذي تمثله الكتابة لزيد عمران؟
-كلُّ شيء. وكلُّ شيء تعني كلَّ شيء.
* تبحث عن مدينة لا حقائب سفر فيها ولا مطارات. هل أتعبك السفر والغربة؟
-أتعبتني الغربة. الغربة شيء مخيف. يشبه الجاثوم والطنطل. الغربة غربة الروح وليست غربة المكان واللغة. أنا غريب حتى في البصرة. أتعبتني الحياة برمَّتها. والمدينة الوحيدة التي ليس فيها مطار ولا حقائب سفر هي الموت.