أم الطبول.. منطقة الغجر التي حيكت عنها الخرافات!

6٬466

عبد الجبار العتابي 

ما زال الاسم يمثل حالة محيرة تثير الاستغراب، فهي تسمية شعبية سرعان ما اصبحت تمتلك شهرتها، وربما رسميتها، لكن التساؤلات ظلت على مدى أعوام طويلة ومازالت: من هذه الأم؟ أم الطبول التي تقرع ولمن ولماذا؟ هل هي امرأة أم انها صفة التصقت بالمكان لأسباب معينة؟ وبالفعل هي صفة، كنية عابرة، مثلما اعتاد العراقيون اطلاقها، لكن المكان هنا هو الذي حمل هذه الكنية، فكان عنوانا للمنطقة تحديدا والتي صارت مركزا مهما في خارطة الأحداث والجغرافيا.

لم تعد المنطقة بعمومها تحمل اسم (أم الطبول) بل تركّز الان على (الجامع) الذي اخذ اسمه منها واشتهر بالتسمية التي تمثل مفارقة عند البعض حيث(مسجد) للعبادة و(طبول) للّهو!!، فيما صارت المساحات التي حوله مدنا تمتلك اسماءها الخاصة وقد تغيرت ملامحها واصبحت مأهولة بالسكان وروعة العمران، فالأرض لم تكن غير مساحات واسعة من الأراضي المكشوفة لمحافظة بغداد التي يبدو ان حدودها كمدينة حتى نهاية العهد الملكي لم تمتد اكثر من منطقة (الحارثية) التي تبعد شمالا عن (ام الطبول) عدة كيلومترات، وما بعدها ليس هنالك من بناء، مجرد مساحات تقوم عليها تضاريس ارضية مختلفة، وكانت منطقة (أم الطبول) بعد ذلك ميدانا للرمي تستعمله القوات المسلحة العراقية، لاسيما في الخمسينات حتى عام 1964 حين بدأت المباشرة ببناء الجامع.

موقعها

تقع منطقة أم الطبول (غربي بغداد) في الكرخ، لا حدود لها في السابق، ولكن بعد 1958 وزع الزعيم عبد الكريم قاسم الأراضي على الناس فقامت الأحياء السكنية الحديثة ابتداء من حي اليرموك وحي القادسية وصولا الى حي العامل الذي يقابل أم الطبول، هذه الأحياء ترامت أطرافها فنمت وترعرعت، لكنها الان تنحصر في الجامع فقط، أما ما حوله فمن الشرق حي القادسية ومن الغرب حي (الداخلية) النفط (الذي يقع ضمن البقعة الجغرافية لأم الطبول) ومن الشمال تحده سكة القطار في اليرموك ومنطقة ما تسمى (الأربعة شوارع) ومن الجنوب حي العامل الذي يفصله عنها شارع المطار المقام على طرفه الجامع الذي يقف اول الطريق المؤدي الى شارع الخط السريع المؤدي إلى مطار بغداد الدولي، وكان الجامع في السبعينات خاصة، مفتوحا طوال الوقت، ما اتاح للطلاب فرصة للقراءة والمذاكرة في حدائقه.

شائعات وخرافات

رافق تسمية (أم الطبول) الكثير من الشائعات والخرافات التي انتشرت بين الناس، منها أن الدولة أرادت أن تبني دائرة أو قصرا رئاسيا وان الشركات كلما بدأت بالبناء قرعت الطبول في المكان لأن به (جناً صالحاً) وعلى هذا الأساس قررت الحكومة بناء المسجد فتوقفت الطبول عن القرع من ذلك الوقت!!، وهناك من يعتقد بأن سماع أصوات دوي وقرع الطبول في تلك المنطقة يؤكد أنها (منطقة مسكونة بالجن) وهناك العديد من القصص عن الجن والأرواح.
ومع هذه الحكايات التي تتلبس الاسم، هناك آراء أخرى تعتمد التكهنات وليس الحقائق، مثل ان البعض يرجع اطلاق الاسم الى أشكال قبب الجامع التي تشبه الطبول، متناسيا ان التسمية كانت قبل بناء الجامع، فيما آخرون يؤكدون (أن أرض الجامع كانت في زمن الملكية ساحة لتدريب أفراد الجيش على الرماية، وعندما يتم التدريب كانت الطبول تقرع في البداية والنهاية، وكذلك كانت الأرض موقعا لتنفيذ احكام الاعدام بالضباط المدانين رميا بالرصاص والتي تتم بقرع الطبول، لذا أطلق على الموقع اسم “أم الطبول”، وهذا الرأي يمكن تفنيده بالقول ان الذين تحدثوا عن سماع اصوات الطبول اكدوا انها تسمع في الليل وليس في النهار.

حقيقة الاسم

والحقيقة.. ان المكان الذي هو خارج حدود مدينة بغداد حتى الاربعينات من القرن الماضي على الاقل، كان غير مسكون لا من الجن ولا الإنس، وهو مجرد مساحات شاسعة، على مسافات منه بساتين سواء على جهتي البياع او حي العامل، ولكن سكنته أسر من الغجر الذين يسمون بـ (الكاولية)، وكانت هذه الأسر كعادتها وديدنها ان تقيم حفلات راقصة وغنائية في الليل، والمعروف عن الغجر انهم في حفلاتهم هذه يقرعون الطبول ويعزفون على المزمار وغيرهما من الآلات الموسيقية المتوفرة لديهم، أي ان حفلاتهم الراقصة كثيرة وفيها نساؤهم يرقصن ويغنين في حضرة الغرباء على دقات الطبول التي تسمع اصواتها على مسافات بعيدة خاصة مع هدوء الليل، فكان البعيدون والعابرون من المكان في تلك الليالي الهادئة يسمعون قرع الطبول، فيظنون الظنون فضلا عن اطلاق تسمية (أم الطبول) على هذه المنطقة.

حوادث جمّة

شهد المكان حوادث جمّة منها تنفيذ حكم الإعدام بنخبة من الضباط القوميين والبعثيين بعد فشل المحاولة الانقلابية التي قادها العقيد عبد الوهاب الشواف ضد الزعيم عبد الكريم قاسم (1914- 1963)، جرى اعدامهم رميا بالرصاص في ساحة وميدان رمي أم الطبول في بغداد ومنهم ناظم الطبقجلي ورفعت الحاج سري ورفاقهم، وذلك في صباح يوم 20 أيلول 1959م، بعد صدور حكم الاعدام من محكمة الثورة المسماة (محكمة المهداوي) بحق قادة الانقلاب، وبعد انقلاب 8 شباط 1963 والإطاحة بنظام عبد الكريم قاسم، قرر الانقلابيون إنشاء جامع فخم يخلد ذكرى اولئك الضباط وفعلا كان البدء ببناء الجامع سنة 1966م، وأنجز سنة 1968م، وقد شيد على غرار جامع صلاح الدين الأيوبي في مصر وبشكل أكبر.

وفي عهد الرئيس الاسبق أحمد حسن البكر (1914 – 1982) جلبت رفات الطبقجلي وزملائه من مقبرة الغزالي ليدفنوا في باحة خاصة بالشهداء في جامع أم الطبول في مراسم دفن عسكرية رسمية مع تأبين رسمي لهم، كما جرى في التسعينات نصب تماثيل لهم على الشارع العام على الجهة الشرقية للجامع، وقد حطمت جميعها بعد احداث نيسان 2003 .

ويمكن الاشارة الى ما ضمه المكان من رفات اخرى، من خلال انتفاضة معسكر الرشيد يوم الثالث من تموز من عام 1963 بقيادة ضابط الصف الشهيد حسن سريع ومجموعة من رفاقه العسكريين والمدنين ضد انقلابيي شباط الأسود من عام 1963، ونستذكر في المكان الشهيد (طالب ناجي ابو الدكة) وهو جندي مطوع من مدينة النجف، كان له دور فاعل في التحضير وتنفيذ الانتفاضة مع رفيقه نزار حبيب الأعرجي. فأعدم رميا بالرصاص بعد ان دفن نصفه الأسفل في حفرة حفُرَت له امام جامع أم الطبول، حسب رسالة الدكتور محمد حسين الأعرجي (1949- 2010).

جامع أم الطبول

يقع على مساحة قدرها 5000م2، ويرجع تاريخ اكتمال بنائه الى سنة 388 هـ/1968م، أما مواصفاته فعدد مآذنه اثنتان، وارتفاع المئذنة 40 مترا، وعدد القباب ثلاث، وأما التفاصيل التقنية فالمواد المستخدمة هي الطابوق، والتصميم والإنشاء للمهندس المعماري عدنان يوسف القدسي، وهو مسجل الآن في ديوان الأوقاف باسم جامع أم الطبول نسبة لساحة أم الطبول المقام عليها المسجد، وهو من مساجد بغداد الحديثة الفخمة، ويقع على أطراف منطقة اليرموك باتجاه مدينة البياع، وهو الجامع الأقرب لشارع الخط السريع المؤدي إلى مطار بغداد الدولي.

وقرر مجلس الوزراء العراقي آنذاك بجلسته المنعقدة في 1 أيلول 1963 رقم 67 تخويل وزير البلديات يومئذ محمود شيت خطاب صلاحية إعداد التصاميم وعرضها على مجلس الوزراء وتأليف لجنة برئاسة وزير البلديات وممثلين عن وزارات الدفاع والإسكان والصحة والتربية والتعليم والأوقاف للإشراف على التنفيذ وتتحمل وزارة الأوقاف نفقات المشروع، ولهذا الغرض استقدم المهندس عبد السلام أحمد وكيل الإدارة العامة في الأقسام الهندسية في وزارة الأوقاف في مصر وتم تصميم الجامع على غرار جامع صلاح الدين في مصر وبشكل أوسع ورسم خرائطه الرسام (ارشام جورج)، ووضع الحجر الأساس في يوم 16 تموز 1964 وبعد ذلك وضع بالمناقصة العلنية وقد فاز بالمناقصة المهندس عدنان يوسف القدسي.

آل علاوي

والمنطقة ذاتها توهجت بأسرة رياضية نال ابناؤها الشهرة، هم خمسة أشقاء من أسرة (آل علاوي) اشهرهم لاعبا كرة القدم الدوليان (خليل وكريم محمد علاوي) ومعهما (ابراهيم واسماعيل وعبد) كانوا يلعبون ضمن فريق اتحاد (حي النفط) الشعبي، بعد ان انتقلوا الى هذا الحي عام 1965 .

معركة أم الطبول

شهدت ساحة أم الطبول في نيسان 2003 معارك بين القوات الأميركية وقوات الحرس الجمهوري وبعض المقاتلين العرب، بعد ما قامت به القوات الأميركية من خرق خطير وسط بغداد، بعد أن دفعت مجموعة من مدرعاتها في حركة استعراضية وتكتيكية، وفي الثامن من نيسان أمضى المقبور صدام ليلته في جامع أم الطبول بعد ان انتقل اليه من مخبئه السري في حي الشرطة على بعد ثلاثة كيلومترات شمال غربي الجامع، في محاولة بائسة منه لشدّ أزر وتحريض قوات الحرس الجمهوري وبعض المقاتلين العرب على مقاتلة القوات الأميركية التي تسللت عبر الطريق المؤدي إلى المطار الدولي إلى ضواحي بغداد حيث اندفعت الدبابات الأميركية باتجاه ساحة أم الطبول، وهناك روايات عما حصل لأحد قادة الألوية قرب المطار اللواء سيف الدين الراوي الذي أمر لواءه بالانسحاب فأرسل صدام في طلبه واعدمه في ساحة الجامع وأمر بدفنه هناك قبل أن يبعث برسالة عبر سعاة بأن مصير من ينسحب سيكون مثل مصير الراوي.