دنى غالي لـ”لشبكة”: المثقف العربي لم يؤسس لتقاليد عمل تحترم الكلمة!
زهراء حسن/
مع انها غادرت العراق منذ اكثر من ربع قرن، لكنها مازالت تنهل حتى هذه اللحظة في كل نتاجها الأدبي من أدب طفولتها، أهلها، صداقاتها، البيوت التي تنقلنت ما بينها، الحروب، واللقاء الأول بالحبيب.
في الدانمارك، حيث تقيم، خاضت رحلة كتابة عمرها لأكثر من 20 سنة، بيد ان مجتمعها الجديد له اسقاطاته السياسية على جلّ التفاصيل الحياتية في المجتمع، ومن ضمنها المساواة في التعامل والفرص وتقبل الآخر المختلف.
إنها الأديبة العراقية (دنى غالي) التي التقتها “الشبكة” في حوار تطرق الى الأدب المغترب والى رواياتها وشعرها، والى شروط وتقاليد الكتابة بين الوطن الأم ووطن الإقامة.
ماهي نقطة انطلاقك في كتابة الرواية؟
بعد إصداري كتابي الأول “حرب نامة”، وهو مجموعة نصوص، كان هناك شبه إجماع حول النفس الروائي في كتابتي فجاءت الرواية الاولى “النقطة الأبعد”. شعرت بالفعل أثناء كتابتها وكأني كتبت الرواية من قبل.
أيهما أقوى نداءً عندك الشعر أم الرواية؟
تختلف شروط ومتطلبات كتابة الرواية وهي تكاد تكون من الأعمدة الثابتة في حياتي، لها حضور دائم في ذهني، سواء في مرحلة التحضير لها أو خلال كتابتها. شرط الاستمرارية قائم، فأنا معنية بالذهاب إليها، العناية بها، الاطمئنان عليها، وتغذيتها على الدوام. أي نحن مَنْ نقصدها بينما الشعر هو الذي يأتينا ولايمهلنا، فإن أهملناه انطفأت تلك الوقدة.
البصرة بكل ثقلها التاريخي عبرت بها الى الدانمارك؟ ماذا أضافت لك البصرة في الدانمارك؟
كل ما أنهل منه حتى هذه اللحظة أدبيا، طفولتي، أهلي، صداقاتي، البيوت التي تنقلنا ما بينها، رجال الأمن ومكتب الجوازات، الحروب، الحفلات السرية، مختبرات كلية الزراعة، واللقاء الأول بالحبيب.
تكتبين باللغة العربية واللغة الدانماركية ،في أية لغة وجدت نفسك؟
لايمكنني القول أني أكتب باللغتين. لغتي الأم هي العربية وهي اللغة الأولى التي أعبرّ من خلالها كيفما أشاء، ألاعبها، أختفي من خلفها، أضاعفها. تعلمت اللغة الدانماركية بعد أن غادرت بلدي وأنا “على كبر” وقد تعلمتها كلغة ثانية، لايمكن أن أعبّر أدبيا من خلالها كما أود وأطمح. منطق اللغة يختلف تماما، بناء الجمل يختلف، المجازات، الثقافة عبر هذه اللغة أخرى، الإشارات والتأويل، كل ذلك يختلف ويحتاج كي تتقنها إلى أن تنشأ معها وتكبر.
ككاتبة قدمت من العراق الى الدانمارك واثبتت حضوراً واضحاً هناك، ماهي الصعوبات التي واجهتك هناك؟
لم أكتب حين كنت في العراق لظرف سياسي معروف. ولكن إصداري لكتابي الأول بالعربية كان بشكل من الأشكال سببا في صدور كتابي الأول بالدانماركية، ما شكّل دعما لحضوري واستمراري، ولكن وحتى هذه اللحظة فالأمر لايخلو من صعوبات عديدة جدا والمعركة لم تنته. تختلف شروط قبول الكاتب بين الدول الاسكندنافية حيث تشترط الدانمارك، على سبيل المثال، إصدار الكاتب لكتابين على الأقل بالدانماركية ليكون من ضمن القائمة ويستحق الدعم والامتيازات الأخرى التي يحصل عليها الكاتب الدانماركي، من ناحية أخرى المجتمع الدانماركي مجتمع صغير ومصادر ثقافته هي الأوروبية الغربية والأميركية، لذا فالكتب التي تطبع من قبل أجانب عليها أن تنافس بقوة ما هو مطروح ومعتاد عليه. والأهم هناك منافسة شديدة بين دور النشر أيضا، وصراع من أجل البقاء بسبب ابتلاع دور النشر الكبرى لها، أعرف الكثير من الكتّاب والكاتبات الدانماركيين الذي لجأوا إلى النشر لدى دور نشر صغيرة او أسسوا دورهم الخاصة. على هذا الأساس من يبرز من الكتّاب والكاتبات يستحق بالفعل الإشادة بجهده.
حدثينا عن حياتك الأدبية في الدانمارك..ماذا أضافت وماذا أخذت؟
نحن نتحدث عن رحلة كتابة عمرها أكثر من 20 سنة، والأحوال التي كانت عليها الدانمارك منذ 25 سنة غيرها اليوم، التوجهات السياسية الحالية لها إسقاطاتها على جلّ التفاصيل الحياتية في المجتمع، ومن ضمنها المساواة في التعامل والفرص والتقبل للآخر المختلف. ولكني بالتأكيد اعتدت أسلوبا للتعامل واضحا ومباشرا، وتعلّمت الدقة سواء على مستوى الكتابة أو حياتيا. هناك التزام بالكلمة، ونظام واحترام للوقت، وهذه بمجملها ليست شروطا بسيطة جدا فقط بل من ضمن الأخلاق، تقاليد أساسية عامة نفتقدها لدى البعض في هذا المجال للأسف في عالمنا العربي.
ماهي الصورة التي تتذكرينها بوضوح حين كنت طفلة وأدركت تماما انك ستصبيحن كاتبة؟
جميل هذا السؤال! أكثر من صورة ربما، ولكني كتبت نصّا ذات مرة وقد كنت في عمر المراهقة ولم أجرؤ على اطلاع الوالد والوالدة عليه فاخترت وضع الورقة مطوية نصف طية على سطح الثلاجة. والطريق الذي اخترته بذلك هو بالفعل لقاء التشجيع والحض على الكتابة من قبلهما منذ ذلك الوقت.
اشتغلت في مجال الترجمة الأدبية..ماهي الصعوبة التي تواجه الكاتب حين يترجم من اللغة الدانماركية إلى اللغة العربية والتي تختلف اختلافا شاسعا؟حدثينا عن مباهج الترجمة أيضا.
حالما أقوم بتسليم مخطوطة أشعر بقلق وعدم استقرار واضطراب حقيقي لا يعالجه أحيانا إلا البدء بالحال بمشروع ترجمة طلبا لتنظيم الأفكار والوقت. هذه من الفوائد، أما المباهج، فالترجمة هي أن نعبر بالنص إلى الضفة الأخرى، مع الحفاظ عليه قدر الإمكان، ولكن إن تطلّب الأمر واضطررنا إلى التخلي عن شيء ما، فعلينا أن نختار، لذا يقال انه فن الاختيار أيضا، وبهذا فالمترجمة أو المترجم هما سيدا الموقف على مدى صفحات الكتاب المعين، التحدي والمراهنة على إيصاله سالما هو الذي يمدّنا بمتعة داخلية قد لايشعر بها كثيرون. في ترجمتي لرواية “هدم” التي تصدر خلال أيام عن دار المتوسط، وهي رواية دانماركية قديمة وصعبة اضطررت الى استخدام الهوامش فيها للشرح (رغما عني) لكثرة مااستخدم الكاتب من أسماء قد لايعرف القارئ العربي هل تعود الى أشخاص، أم أماكن، أم مشروبات، لأن التقنية المستخدمة هي تيار الوعي الذي تنهمر فيه الأفكار والكلمات والأرقام بغير ترابط.
ماجديدك؟
بعد انتهائي من روايتي الاخيرة “بطنها المأوى” لم أكتب الكثير، كاد عملي أن يقتصر خلال السنتين الأخيرتين على الترجمة التي تأخذ الكثير من وقتي، ولكني شعرت أيضا بحاجة ماسة الى مهلة للتفكير، لماذا نكتب، وماالذي يجب علينا أن نكتبه؟ هل في ما نقرأه تكرار؟ هل للكتابة والأدب عموما دور، أتساءل مضطرة وأنا أرى تراجعا كارثيا للمجتمعات العربية عامة.
“حديقة بعطر رجل”.. عنوان جميل يسحب القارئ اليه؟ كيف تختارين عناوين كتبك؟
ذوقي يختلف من فترة لأخرى، باختلاف الوعي، والمزاج بالطبع. أحد الشعراء العرب قال، على سبيل المزاح، إن العنوان المذكور أعلاه مفخخ بعد قراءته لما في داخله. غالبا ما أبدأ بعنوان غير الذي يقع الاختيار عليه في النهاية، وعموما تأتي النتيجة أفضل بكثير بالنقاش والأخذ والرد مع الناشر، وأكون بذلك ممتنة، “لاتقصصي القصص يوم الأربعاء”، وهو عنوان مجموعة النصوص الذي صدر قبل عامين، كان وليد نقاش ممتع مع الناشر، لأن القرار معضلة بحد ذاته بالنسبة لي، بعد أن أكون قد استنفدت كل جهدي في مراجعة المخطوط للمرة المئة.
اذا مددت النظر من الدانمارك الى العراق..أين يقع العراق عندك؟
حين سُئِلَ كل من باموك وسلمان رشدي عن اسطنبول وبومباي، وهما المدينتان الأثيرتان لديهما في الكتابة والحياة، كان جواب الاثنين متقاربا ألا وهو ان المدينة التي نكتب عنها لاوجود لها للأسف!