يدُ النزاهة.. تطالُ عصابةً كبيرةً للتزوير و”الشبكة” تكشف تفاصيل الجريمة

1٬090

بشير الأعرجي /

عصابة يقودها موظف، تقوم بتحويل التراب الى ذهب بعمليات تزوير ايضا، لكن الأموال المهدورة هذه المرة ليست من المصارف، انما من الشركة العامة لصناعة السيارات والمعدات بقيمة وصلت الى 41 مليار دينار.

كفالات مزورة

القصة تتمحور حول قيام عدد من المتهمين ضمن عصابة تزوير، باجراء معاملات حجز لعقارات تعود لهم مقابل توقيع عقود تجهيز آليات ثقيلة مختلفة الانواع بالأقساط من الشركة العامة لصناعة السيارات والمعدات في الاسكندرية التابعة لوزارة الصناعة والمعادن، وموضوع التزوير يتعلق بالمغالاة في القيمة التقديرية المعدة للعقارات من ثلاث مديريات للتسجيل العقاري في بغداد وبابل، وذلك بزيادة مساحة وقيمة العقارات التي لا تساوي شيئاً أمام القيمة الضخمة للآليات المجهزة، ويصل الفرق المالي الى اكثر من 40 ملياراً و400 مليون دينار، فأحد موظفي التسجيل العقاري وبالاتفاق مع عدد من الموظفين بدوائر اخرى واصحاب العقارات المعنية، عزموا على تنفيذ خطتهم عبر تزوير الأوراق الرسمية للاستحواذ على آليات بمبالغ كبيرة، وايهام الشركة المجهزة، ان العقارات المحجوزة بحكم (الكفالات) تساوي اضعاف قيمة الآليات، لكن قبل اتمام كامل مهمتهم، الخطة فشلت.

تدقيق العقارات المحجوزة

تحدث المفتش العام لوزارة العدل (حسن حمود العكيلي) لـ”الشبكة العراقية”، انه “بعد اكتشاف عمليات التزوير في قضية موظفة التسجيل العقاري المحكوم عليها بالسجن اكثر من نصف قرن بتهم تزوير سندات عقارية بقيمة 67 مليار دينار، تم تكليف موظفين من مكتبنا بتدقيق أضابير العقارات المحجوزة استنادا الى رهونات تأمينية للجهات المقرضة تجنباً لعمليات تزوير مشابهة”، واضاف “وبالفعل اكتشفنا في سجل الرهن وجود عقار محجوز كضمان لصالح احدى شركات تجهيز الآليات الحكومية وبطريقة الأقساط، ولدى الطلب من الموظف المختص جلب الإضبارة لتدقيقها، ادّعى انها مفقودة، وهذه الحالة وبحكم الخبرة تعتبر اولى عمليات التثبت من وجود التزوير في المعاملة لذلك العقار، وربما لعقارات اكثر”.

السير في حقل ألغام

الموظف (ق.م) الذي كشف اول خيوط القضية قال لـ”الشبكة العراقية”: “عمليات التدقيق المتقاطع للأضابير المحجوزة كضمانات (كفالات) من ناحية المساحة والقيمة التقديرية هي من ساعدت بكشف الفساد، فما موجود من ارقام داخل دوائر التسجيل العقاري يختلف عما موجود في اضابير الشركة العامة للسيارات والمعدات في الاسكندرية”، واضاف “التدقيق المتقاطع اسلوب يكشف بالأرقام فروقات المبالغ دون اثارة الشكوك حول القضية التي ندقق بها.. وبذلك وضعنا اليد على الفساد الحاصل في اقيام العقارات المستخدمة كضمانات لعقود تجهيز الحاصدات والجرارات وغيرها من الآليات الزراعية”. وتابع قائلاً “اصبح لزاماً بأن يسرع مكتب المفتش العام بانجاز المخاطبات الرسمية ووقف عمليات التزوير تلك، ما يستوجب تشكيل فريق عمل متخصص ينجز مهمته بحذر، مثل السير في حقل ألغام، لأن الأموال ضخمة وعملية الفساد في مراحلها الاخيرة، وردّة فعل عناصر العصابة متعددة الاطراف تجاه كشف فسادهم غير معلومة النتيجة، وهو ما حدث بالفعل”.

دليل باليد

من جهته، قال المفتش العام “اعددنا المخاطبات الرسمية للشركة العامة لصناعة السيارات والمكائن من اجل تزويدنا بالمعاملات الموجودة لديهم والتي تم بموجبها توقيع عقود تجهيز الراهنين بالآليات مقابل حجز عقاراتهم وحسب القيمة التقديرية المعدة من دوائر التسجيل العقاري التي نشك بوجود مغالاة في اقيامها”. واضاف “ارسلنا فريقا الى الشركة لتسلم الإجابات باليد كإجراء يسرّع عملنا دون الحاجة الى مخاطبات عبر البريد ولكي نستغل الوقت ويكون لدينا الدليل القاطع عن وجود مغالاة في اقيام العقارات، فما موجود من ارقام هناك تفوق بكثير القيمة الحقيقية، باعتبار ان المجموع الصحيح لقيمة العقارات الخمسة معلوم لدى مكتبنا ويبلغ 650 مليون دينار”.

خطر على الطريق

احد اعضاء الفريق المكلف بهذه القضية واسمه (ع.س) تحدث لـ”الشبكة العراقية” وقال “فور وصولنا الى الشركة، كان جزء من المركبات المجهزة في طور الخروج من المخازن الى افراد العصابة، فكان لا بد من الإسراع بالخطوات لمنع خروج المزيد منها، وهو ما نجحنا في تحقيقه بتعاون من مسؤولي الشركة، لكن كانت مفاجأة بانتظارنا بعد انجاز جزء من هذه القضية”.

وتابع بالقول “بعد خروجنا من الشركة صوب مقر عملنا، اعترضت مركبتنا مجموعة من العناصر المسلحة، ويبدو ان هدفها الاستحواذ على معاملات حجز العقارات التي تحتوي على ادلة ادانة المزورين، فاتصلنا هاتفيا بالمفتش العام الذي اتصل من جهته بالمفتش العام لوزارة الداخلية الذي هيّأ على الفور قوة امنية ساهمت بتأمين طريق عودة الفريق من اطراف محافظة بابل الى اماكن آمنة، فوصلت ادلة الإدانة الى قسم التحقيق والتحري لتظهر ارقام التزوير بكل وضوح”.

انقلاب السحر

المفتش العام استكمل حكاية قضية التزوير الضخمة تلك بالقول “وصلت الأضابير الى مكتبنا، وواحدة من معاملات الكفالة لعقار تجاوزت قيمته 16 مليارا و400 مليون دينار وبمساحة 200 دونم، او بلغة الأمتار 500 ألف متر والتي يفقد حدودها واتجاهاتها اي شخص في هذه المساحة اللامتناهية، لكن تبيّن على ارض الواقع ان مساحة العقار 220 مترا فقط وقيمته الحقيقية 7.5 مليون دينار، فكان الفرق الذي سيستفيد منه المزورون ومن رسموا صورة هذا العقار على الورق 16 مليارا و390 مليون دينار”.

واضاف “حققنا بمعاملة عقار آخر تبلغ قيمته الحقيقية 220 مليون دينار، فيما تم اعتماده في الشركة بطريقة التزوير بقيمة 15 مليارا و470 مليون دينار، وهكذا لبقية المعاملات الاخرى، فكان الفرق في مجموع المبالغ الحقيقية للعقارات الخمسة وتلك المعتمدة في الشركة العامة لصناعة السيارات والمعدات 40 مليارا و401 مليون دينار، وتم اتخاذ الاجراءات القانونية اللازمة بخصوص المزورين، خصوصا من أوهم الشركة بطريقة التزوير، أن التراب يمكن ان يصبح ذهبا، لكن السحر انقلب على الساحر، وافشلنا عمليات التزوير تلك واصبح التلاعب بالارقام دليلا قاد المتهمين الى خلف القضبان”.